ملامح الفكر التربوي عند الشيخ محمد الخضر حسين

التصنيف

مقالات متنوعة

التاريخ

04/03/2024

عدد المشاهدات

90

لقد كان محمد الخضر حسين من أفذاذ العلماء الذين شغفوا بإصلاح المجتمع الإسلامي، ونهج في سبيل ذلك طريقًا معتدلًا منذ بداية حياته، وبعد تخرجه كان من بين العلماء العاملين على تطوير التعليم مضمونًا ومنهجًا، كما عمل على إرساء دعائم التربية بين الطلاب لإخراج أجيال قادرة على حمل لواء الإسلام ورفع قدر الأمة الإسلامية. 

وعلى الرغم من أنّ هذا العلّامة لم يكن صاحب نظريات تربوية، أو صاحب مدرسة في هذا المجال، فقد دلّت مختلف كتاباته على وجود بذورٍ للإصلاح التربوي، وبخاصة في مجال التّعليم، حيث كانت أفكاره التربوية الإصلاحية في شكل فصول كاملة تارة، وفي شكل فقرات تتخلل مشهدًا إصلاحيًّا عامًّا تارة أخرى. 

من هو محمد الخضر حسين؟

هو محمد الخضر حسين بن علي بن عمر الحسني التونسي، وُلِدَ بمدينة “نفطة” التونسية، في 26 من رجب، سنة 1293هـ، الموافق 16 أغسطس 1876م، في بيئة علمية محافظة تنتهج الصوفية الإيجابية مذهبا، لكن أصول الشيخ تعود لأسرة جزائرية، فأبوه من عائلة “العمري” من قرية “طولقة” بمدينة “بسكرة” الجزائرية، وأمه من “وادي سوف” بالجزائر. 

وعائلة “محمد” ماجدة في حسبها ونسبها، فأبوه الخضر وشقيقاه “المكي” و”زين العابدين” من أكابر العلماء، وأثروا المكتبة العربية بمؤلفاتهم، كما أن أمه تنتمي إلى أسرة فاضلة مشهورة بالعلم والتقوى والصلاح، وخاله السيد “محمد المكي بن عزوز” من كبار العلماء المصلحين، وهو الذي تأثر به الشيخ محمد تأثرًا كبيرًا، وكان موضع الإجلال والتقدير من رجال الدولة العثمانية في عهد السلطان “عبد الحميد”.

وحفظ “محمد” القرآن الكريم، وجانبًا من الأدب، وألمّ بمبادئ العلوم العربية والعلوم الشرعية، ثم انتقل مع أسرته إلى العاصمة التونسية، وهو في الثانية عشرة من عمره (سنة 1305 هـ)، فالتحق بجامع الزيتونة، سنة 1307هـ (1889م)، ونال شهادة العالمية من جامعة الزيتونة، ثم رحل إلى الشرق سنة 1317هـ، وما كاد يبلغ طرابلس ويقيم بها أيامًا حتى عاد إلى تونس فلازم جامع الزيتونة.

وفي سنة 1321هـ، أنشأ مجلة السعادة العظمى، وفي سنة 1324هـ، وُلّي قضاء بنزرت ومنطقتها والتدريس والخطابة بجامعها الكبير، ثم استقال وعاد إلى القاعدة التونسية، وتطوّع للتدريس بجامع الزيتونة، ثم عُيّن مدرسا بجامع الزيتونة.

ورحل الشيخ محمد عام 1903 إلى الجزائر، ثم عاد إلى تونس فأنشأ سنة 1904 أول مجلة عربية ظهرت فيها هي “السعادة العظمى”، فحرر أغلب مقالاتها، وأصدر منها 21 عددًا، ثم توقفت سنة 1905 لأسباب مالية.

وفي سنة 1912 رحل إلى حي الميدان بدمشق حيث استقر إخوته، وزار أثناء رحلته مالطة، والإسكندرية، والقاهرة، وبورسعيد، ويافا، وحيفا، ثمّ انتقل من دمشق إلى بيروت، ومنها إلى إسطنبول لزيارة خاله محمد المكي بن عزوز، ثم عاد إلى تونس، ولمّا فُصِل من التدريس بالمدرسة الصادقية، ارتحل إلى الشام مارّا بمصر، فصار مُدرّسا بالمدرسة السلطانية وبالجَامع الأموي.

وحينما تولّى جمال باشا حكم سورية أدخل الشيخ محمد السّجن من سنة 1916م إلى سنة 1917م، وعاد بعد خروجه منه إلى التدريس، ثم استُدعِي إلى مركز الخلافة للعمل منشئا بوزارة الحربية، وأوفد سنة 1918م إلى برلين مرتين بصحبة عدد من العلماء، الأولى تسعة أشهر تعلم أثنائها الألمانية، واتصل مع النازحين السوريين من ظلم الفرنسيين، وأخرى أقام فيها سبعة أشهر، ثم عاد إلى دمشق مُدرّسا.

وعُيّن سنة 1919م عضوا في المجمع العلمي العربي بدمشق مع محمد بن أبي شنب وحسن حسني عبد الوهاب، ولمّا وقع الاحتلال الفرنسي لسورية سنة 1920م رحل إلى مصر نهائيًّا، فعمل مصححًا بدار الكتب، ثم نال بعد أدائه الامتحان الاستثنائي في الأزهر شهادة العالمية، وأسس سنة 1924م “رابطة الدفاع عن شمال إفريقيا”، وأسهم في تأسيس “جمعية مكارم الأخلاق”.

وبدأ الشيخ محمد التدريس في الأزهر سنة 1927م بكلية أصول الدين، وأسس بالقاهرة سنة 1928م “جمعية الهداية الإسلامية” و”الشبان المسلمين”، ورأس سنة 1930م مجلة الجامع الأزهر “نور الإسلام”، وأصبح عضوًا في “جمعية كبار العلماء”، وفي سنة 1933م صدر مرسوم ملكي بتعيين أعضاء عاملين بالمجمع اللغوي بالقاهرة، وكان هو منهم، فترَأس لجنة اللهجات وأسهم في أربع لجان أخرى، وألقى عدة محاضرات.

وفي سنة 1937م زار دمشق مدة شهرين فألقى في مجمعها محاضرة بعنوان “أثر الرحلة في الحياة العلمية والأدبية”، وشارك سنة 1939م في المؤتمر الطبي العربي بالقاهرة، ثم زار سنة 1943م دمشق، وأحيل سنة 1950م على التقاعد من الأزهر.

ولما كانت سنة 1952م تولى مشيخة الأزهر واستقال منها سنة 1954م، وبقي إلى آخر حياته يشارك في جلسات المجمع، ويحرر في مجلة “لواء الإسلام” زاويته “أسرار التنزيل” إلى أن وافاه الأجل مساء الأحد 13 رجب سنة 1377هـ الموافق 2 فبراير سنة 1958م في القاهرة عن ستة وثمانين عاما، ودفن حسب وصيته بمقبرة آل تيمور حذو صديقه أحمد تيمور باشا.

وترك الشيخ محمد وراءه إرثا من العلم يتمثل في مؤلفات نفيسة، نذكر منها: 

  • رسائل الإصلاح: في ثلاثة مجلدات، أبرز فيها منهجه في الدعوة الإسلامية، ووسائل النهوض بالعالم الإسلامي. الخيال في الشعر العربي. 
  • القياس في اللغة العربية. 
  • ديوان شعر “خواطر الحياة” 
  • نقض كتاب الإسلام وأصول الحُكم. 
  • نقض كتاب في الشعر الجاهلي. 
  • آداب الحرب في الإسلام. 
  • أبحاث ومقالات عديدة نشرها في مجلة الأزهر (نور الإسلام)، و(لواء الإسلام)، و(الهداية الإسلامية).

ملامح الفكر التربوي عند الشيخ محمد الخضر حسين

وظهرت ملامح الفكر التربوي عند الشيخ محمد الخضر حسين جلية في كتاباته المختلفة، وهي تتلخص في النقاط التالية:

  • رفض الطرق التقليدية المعتمدة على نظام العقوبات البدنية القاسية: حيث قال: “ذهبت إلى الجامع الأزهر لأذان العصر، وانتدبت للتحيّة مكانا بين مجتمعين لتعليم القرآن، فانشق صدري أسفا لأحد المعلمين، إذ كان لا يضع العصا من يده، ولا يفتر أن يقرع بها جنوب الأطفال وظهورهم بما ملكت يده من قوة”.
  • أكد ضرورة أن يكون الدين مادة أساسية: وذلك شأنه شأن بعض اللغات الأجنبية- على الأقل-، وأن يكون هذا التعليم عاما يشمل كل دور من أدوار التعليم.
  • شدد على أهمية تعديل مناهج التعليم: على أن يناسب التعديل حال التلاميذ في سنهم وتفكيرهم، وفي نوع دراستهم ومستقبلهم.
  • وأن يكون التعليم عمليّا: ويحرص على الالتزام بالشعائر الدينية؛ من حيث الأخلاق، والحشمة، وحُسْن الزّي، واحترام المعلمين، وغير ذلك.
  • نادى بدراسة التاريخ الإسلامي دراسة حية واسعة: بحيث تطبع في نفس التلميذ طابعا لا ينمحي؛ من الاعتزاز بدينه، والاعتداد بأسلافِه، والإجلال لأبطال أمته، والطموح إلى ترسم آثار السلف الصالح في التوثب والنهوض، والتشبه بهم في كافة مناحي الحياة الحقة.
  • طالب بمناقشة الطلاب: حتى يتضح مقدار فهمهم جليّا، ولتكون هذه المناقشة من دواعي مواظبتِهم على الدروس، وإقبالِهم على ما يقرر الأستاذ؛ ليكونوا من كل ما يلقيه على بيّنة.
  • اهتم بتعويد الطلاب على المناقشة والنقد والتمحيص: وفي مجلة “السعادة العظمى” يقول: “لا نريد بكراهة هذه الرأفة المفرطة أن يفتك من الصبي سائر إرادته، ويسلب منه جميع عزائمه، كما يفعل الجاهلون بأساليب الإصلاح والتهذيب، إن ذلك مما يحول بينه وبين عزة النفس، وما يتبعها من قوة الجأش، وأصالة الرأي، والإقدام على إرسال كلمة الحق عندما يقتضيها المقام.
  • ورأى أن دواء ضعف الأمة بالتربية النقية، والعلم الموزون، وقال إنّ التربية الرشيدة هي حصن الأمان للمجتمعات، فهي تغرس في النفوس أخلاقا وآدابا تجعلها بعيدة من أن يصدر عنها ما يمس الأمن العام بسوء، وتغرس فيها الحلم والأمانة والسخاء، وإيثار طهارة العرض على الحطام الزائل.
  • ورأى أنّ التربية أهم من التعليم؛ لأنها هي التطبيق العملي الذي يربي النفس بالتمرن، ويقوم الأخلاق.
  • ومن آرائه أنّ منزلة التربية من التعليم منزلة الثمرة من الشجرة، وأن حشو أذهان التلاميذ بالمعلومات لا يغنيهم غناء إلا إذا ذاقوا فائدتها بالتطبيق.
  • وأكد أن مهمة التربية هي صناعة السلوك الذي يعكس رقي الأفراد في أقوالهم وأفعالهم، وهي أشد من مهمة التعليم؛ لأنها تعتني بالتطبيق العملي لقواعد الأخلاق، وليس فقط معرفتها، وحفظ النصوص التي تتحدث عنها.
  • وقال إن التربية الدينية تشكل الوازع الأخلاقي القائم على الإيمان بالخالق العادل العليم، ومن ثم فإن تأثيرها يظل حتى مع غياب الرقابة البشرية؛ لأنه نابع عن يقين داخلي يدفع صاحبه إلى الخير ويكفه عن الشر.
  • أما التربية غير الدينية في نظره فقد تضعف أمام كثير من الأهواء الطاغية، فلا تستطيع كبح جماحها، بينما التربية الدينية لديها من المتانة ما يطارد هذه الأهواء، وليس الذي يؤمن بأنه سيقف بين يدي علاَّم الغيوب، ويحاسبه على ما يرتكبه من جنايات، ويجازيه عليه جزاء العادل الحكيم، مثل الذي لا يعرف زاجرًا عن الجناية سوى أنها موضع لوم.
  • ويرى أن النفس البشرية مستعدة بفطرتها لأَن تكون طيبة فهي في مبدأ فطرتها عارية عن سائر الأخلاق خيرها وشرها، ولكنها فطرت على استعداد وقبول لما يؤثره فيها التعليم والاقتداء من الأخلاق الفاضلة، وهذا الاستعداد هو الذي جعلها متوجهة بفطرتها نحو  السبيل الملاقي للحكمة.
  • ونصح المربي بأن يستغل الفطرة النقية للطفل ويسعى مبكرًا إلى تربيته على الأخلاق الفاضلة التي جبلت عليها فطرته قبل أن يعتري هذه الفطرة ما يتسبب في إفسادها.
  • وجذر الآباء من تسرب مشاعر اليأس إلى نفوس أبنائهم إذا وجدوا في صفات بعضهم ما فيه اعوجاج عن الأخلاق السوية قولاً وفعلا، فيقعون تحت ظنون خاطئة بأن ما هم عليه إنما هو غريزة لا تجدي معها أساليب التربية نفعًا، وتقف عاجزة عن الإصلاح والتقويم.
  • وشدد على أنّ التربية الصحيحة لا تتأتى إلا بعد التحرر من الخضوع للعواطف التي تؤدي إلى ضعف الآباء وعجزهم عن مواجهة الخلل الأخلاقي الذي قد يصيب الأبناء فتصبح المغالاة في المحبة سببًا في تركهم فريسة للانحلال والتمرد على الأخلاق الفاضلة، ويصير الآباء في النهاية ضحايا لهذه الطريقة الخاطئة في التربية.
  • ورأن أنه لكي تنجح التربية فإنه لا بد من أن نكون لأبنائنا مثالًا يحتذى به في الأخلاق، وأن نترك لهم ميراثًا أخلاقيًا ينقش في طباعهم وتتناقله الأجيال ليروا الطباع الأخلاقية النبيلة التي كان عليها أجدادهم.

لقد أصاب الشيخ محمد الخضر حسين قدرًا في مجال الإصلاح التربوي وظهر ذلك من خلال المعاني التحديثية التي تضمنتها أفكاره وخواطره التربوية، وأبدى اهتماما كبيرًا بتربية النشء تربية تقوم على غرس المبادئ الأخلاقية التي جاء بها الإسلام والتي من خلاها تتحقق سعادة الفرد والمجتمع، وتتشكل قوة الأمة وتتبوأ المكانة التي تستحقها، وهو يرى أنّ الدواء الناجع لما تعانيه الأمة من الضعف والتفكك ووصولها إلى الوحدة التي تبتغيها إنما يتأتى في قدرتها على أن تجمع لأبنائها بين التربية الموزونة والعلم النافع، ومن خلالهما تتشكل عوامل الوحدة الفكرية والوجدانية بين أبناء الأمة.

مصادر ومراجع:

  1. مهدي الزغديدي: الخضر حسين.. شيخ الأزهر الذي قدم استقالته لعبد الناصر!
  2. محمد الخضر حسين: موسوعة الأعمال الكاملة، ص 108-111.
  3. محمد الجوادي: محمد الخضر حسين وفقه السياسة في الإسلام، ص 8-9.
  4. الزركلي: الأعلام 6/112.
  5. الموسوعة العربية: محمد الخضر حسين.
المصدر | المنتدى الإسلامي العالمي للتربية
المنظور الإسلامي لبناء شخصية الإنسان الإنسان في المنهج الإسلامي والمنهج الوضعي في التنمية البشرية المعاصرة - 2 مقاصد تحرير الإنسان في الإسلام