يُعد الإتيكيت الإسلامي جزءًا أصيلًا من المنظومة القيمية التي جاء بها الإسلام، إذ لم تقتصر الشريعة الإسلامية على الجوانب العقدية والتشريعية فقط، بل شملت أيضًا آداب التعامل والسلوكيات اليومية، واضعةً بذلك أساسًا متينًا لأخلاقيات الفرد في كل جوانب حياته. وقد حرص الإسلامُ على تهذيب السلوكِ الإنساني من خلال منظومةٍ متكاملةٍ من الآداب الشرعية التي يمكن وصفها بالإتيكيت الراقي، إذ تشمل آداب الحديث، والطعام، واللباس، والاستئذان، والتحية، والعلاقات الاجتماعية، وغيرها من أنماط السلوك التي تسهم في ضبط حياة الإنسان على أسس من الاحترام والذوق والرقي.
ويمتاز الإتيكيت الإسلامي بكونه منبثقًا من نصوص الوحي، حيث حفلت آيات القرآن الكريم وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيهات سلوكية دقيقة تُرشد الإنسان إلى الطريق الأمثل في معاملته لنفسه وللآخرين، بما يحقق التوازن النفسي والاجتماعي ويغرس الفضائل. إن هذه التوجيهات لم تكن مجرد سلوكيات شكلية أو مظاهر اجتماعية، بل تنبع من مقاصد عليا تهدف إلى بناء الشخصية المسلمة المتوازنة، التي تجمع بين الاعتدال والحياء، بين الثقة بالنفس والتواضع، وبين احترام الذات واحترام الآخر.
وقد كان للإتيكيت الإسلامي أثرٌ بالغٌ في صياغة نمط الحياة الإسلامية، بحيث لم تُترك الأمور لذوق الناس المجرَد أو لأعرافهم المتغيرة، بل وُضعت لها ضوابط تضبطها وتحكمها، مما يجعل الفرد المسلم يتحرك في فضاء منظَم، تُزيِنُه الأخلاق الحسنة، وتُوجهه الضوابط الشرعية في القول والفعل والمظهر. وهذه السمات السلوكية تشكل بدورها حجر الزاوية في بناء شخصية متوازنة تنأى عن الإفراط والتفريط، وتتمتع بحسٍ عالٍ من الانضباط والمسؤولية الاجتماعية.
إن المتتبِع للإتيكيت الإسلامي يُلاحظ شموله ومرونته، فهو صالحٌ لكل زمان ومكان، ويستجيب لحاجات النفس البشرية دون أن يخرج بها عن دائرة الشرع، وهو ما يميز الإتيكيت الإسلامي عن النماذج الغربية التي قد تعكس أحيانًا قيمًا مادية أو مظاهر استعراضية تخلو من البُعد الروحي أو الأخلاقي. وعلى هذا، فإن الالتزام بالإتيكيت في ضوء التعاليم الإسلامية لا يُسهم فقط في تهذيب السلوك، بل يتعدى ذلك إلى بناء شخصية متكاملة متوازنة قادرة على التفاعل الإيجابي مع محيطها، وتعكس القيم الإسلامية في واقع الحياة.
وقد أصبح من الضروري في عصرنا الحاضر، الذي يشهد تراجعًا في منظومة القيم وذوقيات التعامل، أن يُعاد النظر في هذا الموروث الإسلامي الغني، وأن يُسلَّط الضوء على الإتيكيت من منظور إسلامي، لا بوصفه شكليات أو مظاهر اجتماعية، بل كأداة فعالة في إصلاح السلوك وتقويم الشخصية وبناء مجتمع يقوم على الذوق والاحترام. إن العودة إلى هذه الجذور الأصيلة تمثل خطوة هامة في مواجهة مظاهر الفوضى السلوكية والانحرافات الأخلاقية، وتعزز من الهوية الإسلامية في ظل تحديات التغريب والعولمة.
لتحميل البحث وقراءته، الرجاء النقر هنا
للاطلاع على: المجلة العلمية بكلية الآداب - جامعة طنطا