تسعى الأمَّة الإسلامية اليوم إلى النهوض الحضاري الذي تستعيد به قوَّتـَها وحضورَها في العالَـم المعاصر، وتُسهِم في ترشيد الحضارة الإنسانية بقيم الوَحْي، وهَدْي النبوَّة، وتجربة التاريخ. وهذا يستدعي التفكير في الجهود الساعية إلى ذلك النهوض، فأيْنَ تقع الحاجة إلى كتاب في التربية الفكرية من هذا التفكير؟ وبـِمَ تختلف التربية الفكرية عن غيرها من أنواع التربية؟ وهل يمكن أن يكون الخلل في التربية الفكرية سبباً في وجود الخلل في سائر الأنواع الأخرى؟
وقد اخترنا البحث في التربية الفكرية لإبراز أهمية الموضوع وضرورته، وصلته بالجوانب الأخرى من شخصية الإنسان، الذي نتطلع إلى إسهامه في النهوض الحضاري المنشود. ولا يعني هذا الاختيار عدم الحاجة إلى الاهتمام بأنواع التربية الأخرى، أو أنَّ التربية الفكرية مستقلةٌ ومنفصلة عن أنواع التربية الأخرى. ولكنَّ اختيار الموضوع هو وسيلة لتيسير دراسته بشيء من التخصص، وتناول عناصره بقدر من العمق والتفصيل.
وقد حرصْنا أن يكون تأليف هذا الكتاب تأليفاً جماعياً يـجمع خبرات عدد من العلماء والمفكرين من البلدان العربية، المغاربية والمشرقية، أملاً في أن تُسهم الخبرات المتنوعة في الكشف عن أوجه النظر، والسعة والعمق في أهداف التربية الفكرية وموضوعاتها وأساليبها.