يقول سيّد قطب رحمه الله:
"وهم بوحي إيمانهم يعرفون أنّهم لا يقدرون على شيءٍ إلا بفضل الله ورحمته، وأنّهم لا يملكون قلوبهم، فهي في يد الله. فيتجهون إليه بالدعاء أن يمدّهم بالعون والنجاة."
وقد روت السيّدة عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله ﷺ كان كثيرًا ما يدعو:
"يا مقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك."
فقالت: يا رسول الله، ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء!
فقال:
فقال:
"ليس من قلبٍ إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه."
فإذا استشعر القلب المؤمن وقعَ المشيئة بهذا العمق، وجد ملاذًا في الالتصاق بركن الله في حرارة، والتشبّث بحماه في إصرار، والتوجّه إليه يناشده رحمته وفضله، لاستبقاء الكنز الذي وهبه، والعطاء الذي أولاه.
تقول بنان الطنطاوي (أم أيمن) رحمها الله:
"إنّني أفزع إلى الله في الشدائد كما يفزع الطفل الصغير إلى أحضان أمّه وأبيه، بمحبةٍ وثقةٍ واطمئنان. ومعذرةً لهذا التشبيه الذي جرى به القلم الآن، فشتّان بين الفاني والباقي، والقاصر والقادر، والمحدود وغير المحدود، وما ينتج عن هذا التباين من تباين الأحوال."
﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ – النحل ٦٠
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ – الشورى ١١
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ – الشورى ١١
وما فزعتُ إلى الله في وقتٍ من الأوقات، فهتف به قلبي، ولهج به لساني، وتلوت آياتٍ من كتابه الكريم، إلا وكان جلّ جلاله معي، يبسط عليّ ظله الظليل، وينزل عليّ السكينة والأمن. فأستشعر حضوره الذي يحجب كل حضور، وأحسّ بيده الكريمة الرحيمة الحانية تمسح على جراحاتي وآلامي وأحزاني وقلبي، فتنهمر من عينيّ دموع الطمأنينة والشكر، كما انسكبت من قبلُ دموع القلق والحزن والألم. ويتجدد في نفسي النشاط والأمل والعزم، والقدرة على متابعة الطريق بكل تفاؤلٍ وقوةٍ وإصرار.
في زمن الفتن... لا بدّ من الصحبة الصالحة
في مجتمعٍ تموج فيه الفتن كقطع الليل المظلم، يعيش المؤمن عرضةً للتأثر بلوثاته إن ابتعد عن الذكرى:
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ – الذاريات ٥٥
﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ – الذاريات ٥٥
أو ابتعد عن التناصح والتواصي بالحقّ والصبر:
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾
فالحاجة ماسّة إلى العيش في رحاب أسرة الإيمان، والالتحاق بمسيرة الرحمن، والبقاء في كنفها دائمًا وأبدًا:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...﴾ – الكهف ٢٨
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ...﴾ – الكهف ٢٨
وفي مشهد الطوفان... والنجاة بالإيمان
يقول سيّد قطب في وصف مشهد الطوفان:
"وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال، ونادى نوحٌ ابنه – وكان في معزل – يا بُنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين. قال: سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء. قال: لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم. وحال بينهما الموجُ فكان من المغرقين."
إنه مشهد رهيب، يلتقي فيه هول الطبيعة الصامتة بهول النفس البشرية. وفي تلك اللحظة الحاسمة يبصر نوحٌ عليه السلام ابنه في معزل، فتستيقظ الأبوة الملهوفة، ويناديه بنداء الرحمة والنجاة.
لكن الطريق إلى الله يسلكه أصحاب اليقين والعزيمة، الملتجئون إليه دومًا، المعلّقون قلوبهم برحمته.
لا تخشَ على الإسلام... بل اخشَ على نفسك
فموكب الدعوة إلى الله موغلٌ في القدم، ضاربٌ في شعاب الزمن، ماضٍ لا يهدأ. والعاقبة عاقبة الهدى، وإن طال الطريق.
فلنكن من أهل الأمل، الموقنين بتفريج الكربات، السائرين في طريق الإيمان بثباتٍ وإصرار.
نلهج بالدعاء: اللهم يا مقلب القلوب، ثبّت قلوبنا على دينك، واستخدمنا، وبدّل حالنا إلى ما تحب وترضى.
نلهج بالدعاء: اللهم يا مقلب القلوب، ثبّت قلوبنا على دينك، واستخدمنا، وبدّل حالنا إلى ما تحب وترضى.