الأسئلة الخمسة الكبرى في بناء الإنسان
بناء الشخصية من السؤال إلى الأثر
بناء الشخصية من السؤال إلى الأثر
كثير من محاولات بناء الإنسان تبدأ من حيث ينبغي أن تنتهي؛ من السلوك الظاهر، أو من السمات المرغوبة، أو من برامج تحسين الأداء. غير أن هذا المسار، على كثرة تكراره، يثبت قصوره كل مرة، لأنه يتجاوز البنية العميقة التي تتشكل فيها الشخصية أصلًا. فالشخصية لا تُنتج بالسلوك وحده، ولا تُختزل في المهارات، بل تُبنى بناءً منظّمًا عبر تسلسل حاكم يبدأ بالسؤال وينتهي بالأثر.
إن بناء الشخصية، بوصفه مشروعًا واعيًا، لا ينفصل عن منطق السؤال؛ فالسؤال هو الذي يحدد موضع الإنسان من العالم، ويضبط علاقته بذاته وبما حوله. ومن هنا، فإن الشخصية لا تتكوّن إلا داخل إطارٍ من الأسئلة المؤسسة، التي لا تُجاب مرة واحدة، بل تُلازم الإنسان وتعيد تشكيله مع الزمن.
1. سؤال النظام: في أي نظام نوجد ونتكوّن؟
الشخصية لا تتشكل في الفراغ. كل إنسان يتحرك داخل نظام حاكم، سواء وعاه أم لم يعه؛ نظام معرفي، اجتماعي، قيمي، وتشغيلي. هذا النظام هو الإطار الذي تُفهم داخله المعاني، وتُقاس فيه الأفعال، وتُفسَّر به النجاحات والإخفاقات. لذلك فإن أول سؤال في بناء الشخصية ليس سؤال السلوك ولا القيم، بل سؤال النظام الذي نوجد داخله ونتكوّن من خلاله. فاختلاف الأنظمة يؤدي بالضرورة إلى اختلاف نوع الإنسان المتشكل داخلها، مهما تشابهت الشعارات أو الأهداف المعلنة.
2. سؤال الأصول: ما الأصول التي نعيش ونبني من أجلها؟
الأصول هي المنابع الثابتة التي تُستمد منها الرؤية والمعنى. وهي ليست آراء متغيرة، ولا قيمًا عامة، بل مرجعيات حاكمة يعمل الإنسان بمقتضاها. فالأصل هو ما لا يُفرَّط فيه عند التعارض، وما يُحتكم إليه عند الاشتباه، وما يُبنى عليه القرار عند الاختيار. ولا يمكن لأي شخصية أن تستقر أو تستقيم ما لم تكن أصولها واضحة، لأن غموض الأصل يؤدي حتمًا إلى اضطراب الاتجاه، مهما بدا السلوك منضبطًا في الظاهر.
3. سؤال المفاهيم: ما المفاهيم الحاملة التي تُنشئ البيئة التي تتحرك فيها السمات؟
المفهوم ليس مجرد معرفة ذهنية أو تعريف نظري، بل هو بيئة حاضنة. هو الوسط الذي تتحرك فيه السمات، ومن خلاله تُفعل الأصول. فالمفاهيم هي التي تحدد كيفية فهم الأصل، وكيفية تنزيله في الواقع، وكيفية التفاعل معه في المواقف المتغيرة. ومن دون مفاهيم حاملة، تبقى الأصول معزولة، وتتحول السمات إلى ادعاءات لا تجد بيئة تتحقق فيها. لذلك فإن المفاهيم تمثل الحلقة التشغيلية التي يصل فيها المعنى بالفعل.
4. سؤال الأهلية [أهلية الأداء]: ما مستوى القابلية والاستعداد لحمل الأصول والتفاعل مع المفاهيم؟
الأهلية هي القدرة الداخلية التي تمكّن الإنسان من تحويل الأصل إلى عمل، والمفهوم إلى ممارسة. وهي ليست سمة ظاهرة، ولا مهارة مكتسبة، بل قابلية داخلية تتشكل بالوعي، وتتقوى بالاختبار، وتضعف بالإهمال. لا تظهر السمات إلا بوجود الأهلية، ولا تُبنى الأهلية إلا بوعيٍ راسخ بالأصول داخل بيئة مفاهيمية صحيحة. ومن هنا، فإن أي مشروع لبناء الإنسان يتجاهل سؤال الأهلية، إنما يفترض القدرة قبل تحققها، فيقع في فجوة بين الخطاب والواقع.
5. سؤال السمات: ما السمات التي تظهر كنتيجة طبيعية للأهلية المتشكلة؟
السمات هي الأثر العملي الظاهر، وليست نقطة البداية. إنها الثمرة التي تنتج عندما تعمل الأصول داخل مفاهيم حاملة، عبر أهلية قائمة وقابلة للتفعيل. فالسمات لا تُفرض فرضًا، ولا تُلقَّن تلقينًا، بل تظهر ظهورًا طبيعيًا عندما يكتمل البناء الداخلي. وكل محاولة لاختزال بناء الشخصية في تدريب على السمات دون المرور بمراحلها السابقة، إنما تنتج سلوكًا هشًّا سرعان ما ينهار عند أول اختبار.
الخلاصة
إن بناء الشخصية مسار متكامل، لا يقبل التجزئة ولا القفز. يبدأ بإدراك النظام، ويتأسس على الأصول، ويُشغَّل بالمفاهيم، ويُفعَّل بالأهلية، ليُثمر سمات حقيقية. وبهذا الترتيب وحده، تتحول الشخصية من مشروع شعاري إلى كيان حيّ قادر على الثبات والعمل والامتداد.
النظام هو الإطار،
الأصول هي المنبع،
المفاهيم هي الحاضن،
الأهلية هي القابلية،
السمات هي الثمرة.
الأصول هي المنبع،
المفاهيم هي الحاضن،
الأهلية هي القابلية،
السمات هي الثمرة.
هذا ليس توصيفًا نظريًا، بل منطق بناء؛ من التزم به بنى إنسانًا، ومن تجاوزه اكتفى بصورة بلا روح.
بطاقة تعريف
د. أيمن محمد أصلان
المدير التنفيذي وشريك مؤسس بشركة القيمة الغارقة
ayaslan4@gmail.com
0598254864
المدير التنفيذي وشريك مؤسس بشركة القيمة الغارقة
ayaslan4@gmail.com
0598254864