المرأةُ المُسلمةُ المُعاصرةُ بين خُلق الحياء والجُرأة الأدبية في زمن اندثار كثير من الضوابط الشرعيّة

المرأةُ المُسلمةُ المُعاصرةُ بين خُلق الحياء والجُرأة الأدبية في زمن اندثار كثير من الضوابط الشرعيّة
     خلاصة ما كُتب استماعًا لأخوات فاضلات في سلك التعليم وميادين العمل:
     في زمن الانفتاح في كثير من المجالات العلميّة ودخول المرأة سوق العمل، تجد المُسلمة المُلتزمة نفسها غريبةً "غُربةَ نبي الله يوسف عليه السلام في الجُبِّ".
     وفي تعاملاتٍ مُتنوعة وكثيرة، تُعاني المُسلمة المُلتزمة في بيئات تعجّ فيها المفاسد والأضرار الناتجة عن الانفتاح في العلاقات دون رقيبٍ أو حسيب، واندثار كثير من القيم الفاضلة التي تحفظ على الطرفين دينهم وأخلاقهم ومروءتهم وسمعتهم وعلاقاتهم الأسرية.
     فبينما تُوجّه الانتقادات للمُلتزمة بأنها تريد التفرد في غُربتها بقيم الفضيلةِ، يُترك الانفلات في العلاقات دون رادع، بل أصبح أمرًا عاديًا، وأضحى الحديث عن الضوابط سلوكًا يوصم به "الرجعيون الذين ينتمون للعصر الحجريّ".
     فحينها يتساءل المُلتزم والمُلتزمة: ما العمل؟ وخاصةً حينما يحملان فكرًا نيّرًا وعقلًا واعيًا، ويريان في عملهما وتخصصهما هبةً من الله عز وجل تُوجب شكر النعمة، فيؤديان:
- حق المجتمع عليهما.
- حق الناس عليهما.
- حق القيم عليهما.
     فأما في مجال العمل، فإن الموظف أو صاحب التخصص مُلزمٌ بإتمام ما وُكل إليه من مهام، وأداء واجباته على أتمّ وجه؛ أمانةً ومهنيةً وحسن أداء.
     وأمّا في العلاقات الإنسانيّة، فيلزم شرعًا التأدب بالحياء، وغض البصر، والعفة، والاحترام المتبادل بين جميع الأطراف، بحيث لا يكون التواصل والحديث إلا في السياق وبقدر الحاجة، مع كثير من الاحتياط والحذر.
     وما تميّزت به المرأة القرآنيّة تحديدًا خُلقا الحياء في ابنة شُعيب، والعفة في السيدة مريم عليها السلام. أما مسؤوليّة فرض الضوابط فتعود لكلا الطرفين وفق توجيه الخطاب القرآني المُلهِم:
قال تعالى"قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (النور: 30). وقوله"وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور: 31ويقول النبي ﷺ"إن لكل دين خُلقًا، وخُلقُ الإسلام الحياء".
     وكما أسلفتُ؛ فإن القرآن الكريم حين ذكر المرأة العظيمة، ذكرها في سياق: الحياء، والعفة، وغض البصر، والتحصين. أما الجُرأة الأدبية فلا تتنافى مع ما سبق:
قال الله عز وجل"فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا".
     حياء... و"استحياء" أبلغ؛ كلامٌ بضوابط وجرأةٌ أدبية استطاعت بها أن توصل رسالة أبيها لنبي الله موسى عليه السلام، فتحدثت إليه بقدر الحاجةِ، دون خضوعٍ بالقول. "على استحياء"، فكيف كانت نبرةُ صوتها؟
     ومع أنها ألمحت في سياق آخر إلى إعجابها بنبي الله موسى، فتوجهت لأبيها بقولها"يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ"؛ لتُسطّر للنساء الفاضلات والفتيات الطاهرات من بعدها شرطي وأساسي الرجولة الحقيقيّة.
     إذن؛ القوةُ والأمانةُ هما أهم ما يُميز الشاب الطاهر المؤمن العفيف. فالقوة هي: قوةُ الدين، وقوةُ العزمِ، وقوةُ المبادئ، وقوةُ الانصهار بتعاليم الدّين والتماهي مع الأخلاق الفاضلة والأفكار النيّرة والهمم المُتيقظةوالأمانةُ هي: أمانة التعامل، وأمانة التواصل، وأمانة التكليف... فيما تبادله الأنثى في كافة الميادين بما يتسّم ويتناغم مع هويتها القرآنيّة في العفة والحياء وغض البصر والتحصين، فينتج جيلٌ من الشباب الطاهر والفتيات العفيفات.
     لكن الواقع في كثير من حوادثه يتنافى مع ما سبق ذكره للأسف الشديد إلا من رحم ربي. وخاصة مع شيوع التفاهات والإسفاف، واستغلال المرأة "كجسد" لترويج أفكار ومشاريع وسِلع، ورِضا كثيرات وكثيرين بذلك، وتأييد لموجةِ الانفتاح في العمل والعلم، سواء وعى الفرد ذلك أم لم يعِ بسبب الانتشار السريع، وذوبان الضوابط، وشيوع فَوضى العلاقات.
حتى إن الحديث عن الضوابط في ميادين العلم والعمل بات أمرًا مُضحكًا في زمن التكشف غير المسبوق؛ إذ صرنا نجد انفتاحًا في مواقع التواصل الاجتماعي لغير حاجةٍ علمية أو عملية، وفي معظمها تأتي في سياقات عروض الأزياء والخضوع بالقولِ، وممارسة الهوايات كالرياضات بكافة أنواعها عبر البث المباشر، والتزين بالأصباغ و"الفلاتر"، وتلقي الإعجاب من كلا الطرفين على حد سواء؛ مما يعني إعطاء الضوء الأخضر لوجود مثل هذه الأنماط، وإضفاء شرعيّة على هذه السلوكيات.
وعودًا على بدء: فإن الثمن الذي سيُدفع جراء الالتزام بالضوابط يستحق أن يُبذل لما فيه من صَون النفس وحفظ الدين، بينما التحلل والتفلت سيُكلف خسارات فادحة عاجلًا أم آجلًا، وتعريض الأخت -التي لا نرجو لها سوى أن تحفظ نفسها وإباءها وكرامتها وشموخها- للأذى والمساس بها.
     وعلى الجانب الآخر أيضًا، نجد أنّ هذا الانفتاح وضعَ العراقيل أمام الشاب المسلم المُلتزم في اختيار الزوجة المناسبة التي يُكمل بها نصف دينه، أو أوقعه في براثن المُقارنات، بسبب الغرر الذي تمنحه هذه العلاقات الموهمة والصور المزيفة التي يصعب التحرز منها، وهي مثال متجسدٌ للتلبس بما لم يُعطَ، وادّعاء المثاليّات البراقة في اللطف والخضوع بالقول والتزين اللافت.
     "والله غالبٌ على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون."