تتحدد النظرية المقاصدية في نوعين: نوع أول غائي يتضمن ثلاثة مستويات، ونوع آخر خطابي يتمثَّل في الدلالات المقصودة من خطاب القرآن الكريم والسنة النبوية. والحجة الرئيسة التي يسوقها هذا البحث هي أنَّ النظرية بصفة عامَّة، النظرية المقاصدية بصفة خاصة، يجب أنْ تظلَّ دائماً مَحلَّ فحص ونقد؛ لأنَّ الاعتقاد بكمال النظرية المقاصدية من زاوية بنائها المنهجي وزاوية محتواها العِلْمي، والتوقُّف عن تحقيقها عِلْمياً؛ سيُحوِّلها إلى مذهب أو عقيدة، وهو ما يتناقض مع خصيصة العِلْم التي تتمثَّل في قابليته للتصحيح والتسديد والمراجعة والتقويم والتقييم. ولتعضيد هذه الحجة، يتناول هذا البحث منهجية التدبُّر في مفهوم العلواني لتفسير القرآن بالقرآن، ويوضح أنه صياغة منهجية وتدبُّر تطبيقي قائم على عمادي المبادئ والأدوات؛ ما يعني أنَّه يُمثِّل ممارسة اجتهادية، وهو ما يتطلَّب مزيداً من البحث المستفيض عند النظر في جهود مُفسِّري القرآن الكريم قديماً وحديثاً.
يُعَدُّ مفهوم البلاغ المبين من المفاهيم القرآنية الأساسية في العمل الإسلامي، إذ يتكرر ذكره في القرآن الكريم، باعتباره جوهر مهمة الرسل - عليهم السلام- ومع ذلك لم يحظَ بالدراسة الكافية، مما أدى إلى غياب مفهومه عند كثير من القائمين بعملية الدعوة إلى الله تعالى، حتى ظن البعض بأنه مجرد كلمات تكتب، أو خطب تشحن مشاعر الناس بالحماس، دون النظر إلى ضرورة أن يكون البلاغ مبينًا، تبرأ به ذمة المبلِّغ، وتقوم به الحجة على المبلَّغ، ومن هنا، تأتي أهمية هذا البحث، الذي يسعى إلى دراسة مفهوم «البلاغ المبين»، كما ورد في القرآن الكريم، وتحليل خصائصه وأساليبه، وبيان كيفية توظيفها في تطوير الخطاب الدعوي المعاصر.