القيم في المجتمعات العربية التحديات والمقومات

التصنيف

المقالات

التاريخ

24/01/2025

عدد المشاهدات

244

مقدمة

تواجه المجتمعات العربية اليوم واقعاً اجتماعيّاً معقّداً يشوبه كثيرٌ من التحديات، بما في ذلك تفكُّك القيم وانتشار الفساد الاجتماعي.

أصبحت القيم بمثابة مشروعٍ أوليٍّ غير مكتملٍ؛ ممَّا يثير تساؤلاً جوهريّاً:

كيف يمكن للقيم أن تستعيد دورها المحوريَّ لتكون أساساً لتحقيق إسلامٍ حضاريٍّ يعكس مبادئ العدل والكرامة والتنمية؟

للإجابة عن هذا التساؤل، يمكن تحديد ثلاث ركائز أساسيَّةٍ:

  ●  بناء قوةٍ ثقافيةٍ جديدةٍ.

  ●  تطوير التعليم.

  ●  سنُّ تشريعاتٍ فعَّالةٍ.

بناء قوة ثقافية جديدة

مشروع قيمي معاصر

لإحياء القيم في المجتمعات العربية، لا بدَّ من إطلاق مشروعٍ قيميٍّ جديدٍ يتناسب مع التحديات الراهنة. هذا المشروع يجب أن يستند إلى رؤيةٍ واضحةٍ ومتكاملةٍ، تتبنَّاها قوةٌ ثقافيةٌ ناشئةٌ قد تكون صغيرةً في البداية، لكنها قادرةٌ على النمو مع الوقت لتصبح قوةً دافعةً للتغيير. هذه القوة الثقافية ستكون صمَّام أمانٍ يواجه تحديات العصر، ويعيد تشكيل الوعي المجتمعي.

خطوات بناء القوة الثقافية

يتطلَّب بناء هذه القوة:

  ●  تحديد القيم الأساسية؛ مثل: العدل، العمل، الكرامة.

  ●  إشراك الفئات المختلفة: من الشباب والمثقَّفين، إلى القادة والمؤسَّسات الدينية.

  ●  استخدام الوسائل الحديثة؛ كالمنصَّات الرقمية، ووسائل الإعلام؛ لنشر القيم والتوعية بأهميتها.

تطوير التعليم

التعليم كأداةٍ لغرس القيم

يُعتبر التعليم أحد أهمِّ الأدوات لتثبيت القيم في المجتمع.

تجربة مشروع "وجدان" الذي تمَّ تنفيذه مع وزارة التربية والتعليم تُبرِز أهمية تحديد ما يجب أن يتعلَّمه الطالب ليس فقط في المجال الأكاديمي؛ بل أيضاً في مجال القيم والأخلاق؛ فالتعليم لا يقتصر على المدارس؛ بل يشمل الأسرة والمجتمع ككلٍّ.

ملامح تعليمٍ يدعم القيم

  ●  إعداد مناهج تركّز على القيم: بإدخال دروسٍ واضحةٍ تتناول القيم الأساسية بأسلوبٍ مبسَّطٍ وشيّقٍ.

  ●  تدريب المعلّمين: بتزويدهم بالمهارات اللَّازمة لغرس القيم في نفوس الطلَّاب.

  ●  إشراك الأسرة: مِن خلال توعية الأهل بدورهم في تعزيز القيم التي يتعلَّمها أبناؤهم في المدارس.

سنّ التشريعات

القيم والتشريع

لا يمكن أن تتحقَّق القيم في الواقع دون وجود تشريعاتٍ تدعمها؛ فالدول تحتاج إلى تطوير منظوماتٍ قانونيةٍ تُترجِم القيم إلى قوانين تُطبَّق على الجميع. وعندما تعمل القوة الثقافية والتعليم والتشريعات معاً، يتحوَّل المجتمع إلى بيئةٍ داعمةٍ للقيم؛ حيث يصبح أيُّ انتهاكٍ لها محلَّ استنكارٍ شعبيٍّ ورسميٍّ.

أمثلة على التشريعات الداعمة

  ●  قوانين تجرِّم الفساد: لضمان تعزيز النزاهة والشفافية.

  ●  تشريعات تدعم المساواة؛ مثل: قوانين تكافؤ الفرص ومكافحة التمييز.

  ●  أنظمة تعزِّز العمل الجماعي: مِن خلال دعم الجمعيات الأهلية والمؤسَّسات الثقافية.

نحو وثيقة قيمٍ مركَّزةٍ

أهمية الوثيقة

لترسيخ القيم في المجتمع، يمكن إعداد وثيقة قيمٍ نصيَّةٍ موجزةٍ كمرجعٍ للخطباء والدروس في المدارس والمساجد. تساعد هذه الوثيقة في تحويل الدين من مجرد ممارسةٍ فرديةٍ إلى منظومةٍ قيميةٍ مقدّرةٍ من الجميع.

محتويات الوثيقة

  ●  تحليل المشكلة الحالية: استعراض الأطروحات السائدة وبيان دورها في تأخير النهضة.

  ●  تأصيل الخطاب الجديد: تقديم الأسس الشرعية للمشروع القيمي والحضاري.

  ●  توضيح المفاهيم الكبرى؛ مثل: الزمن، العمل، الكرامة، العدل.

دعم الخطباء بمادَّةٍ عصريةٍ

تحديات الخطاب الديني

يعاني كثيرٌ من الخطباء اليوم من نقص الوقت والموارد لتحضير موضوعاتهم؛ ممَّا يؤدِّي إلى تكرار الخطاب التقليدي الذي لا يخدم قضايا العصر. ولتجاوز هذا التحدي، يمكن إعداد كتابٍ شاملٍ يحتوي على خطبٍ جاهزةٍ تستند إلى القيم الكبرى التي يحتاجها المجتمع.

دور وزارات الأوقاف

يمكن لوزارات الأوقاف تبنّي هذا الكتاب واعتماده كمرجعٍ رئيسيٍّ للخطباء؛ ممَّا يضمن تقديم خطابٍ دينيٍّ متجدِّدٍ وعصريٍّ قادرٍ على مخاطبة هموم المجتمع.

خلاصة

تحقيق مشروعٍ حضاريٍّ قائمٍ على القيم يتطلَّب تكامل الجهود بين القوة الثقافية، والتعليم، والتشريعات. وإنَّ إعداد وثيقة قيمٍ وكتابٍ شاملٍ يدعمان هذا التوجُّه سيكونان بمثابة خطواتٍ أساسيةً في هذا المسار؛ حيث يمكن للمجتمعات العربية من خلال هذه الجهود أن تعيد بناء منظومتها القيمية وتؤسِّس لنهضةٍ حضاريةٍ تعتمد على مبادئ العدل والكرامة والحرية.
 


تحرير د إياد دخان
لماذا ندرس تجارب الأمم حاجتنا إلى دراسة تجارب الصعود الإستراتيجي لدى الأمم