تمهيد
تُعتبر قضايا المرأة من المحاور الأساسيَّة التي تثير النقاش في المجتمعات العربيَّة والإسلاميَّة، وإنَّ هذه المقالة تتعلَّق بحقوق المرأة، ودورها في المجتمع، ومسؤوليَّاتها ضمن الأسرة والفضاء العامِّ؛ حيث تظهر عدَّة تحدّياتٍ مرتبطةٍ بالثقافة، والتراث، والقوانين، تحتاج المرأة إلى أن تتحرَّر من بعض التوجُّهات السلبيَّة فيها، التي تؤثّر على مشاركتها المجتمعيَّة، فلا تتمكَّن من المشاركة في هذه الفعاليَّات بشكلٍ إيجابيٍّ. كما أنَّها -أيضاً- تسلِّط الضوء على أهمِّ النقاط التي تحتاج المرأة إلى أن تتعامل معها لتحقيق واقعٍ أكثر توافقاً مع روح الإسلام، بدءاً بتحدّي الفكر السلبيِّ تجاهها، مروراً بمساحة مشاركتها الاجتماعيَّة، وانتهاءً بالتحدّيات القانونيَّة التي تواجهها.
إذاً؛ فهذه المقالة تُسلِّط الضوء على مكانة المرأة في الإسلام، مُركّزةً على أهميَّة إعادة قراءة التراث، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي ساهمت في تهميش دورها في المجتمع.
التحديات الثلاثة التي تواجه المرأة في المجتمع والحلول اللَّازمة
أولاً- معالجة الفكر السلبيِّ (الفكر الاستنقاصيِّ) تجاه المرأة:
تُشير المصادر إلى انتشار الفكر الاستنقاصيِّ من المرأة في بعض كتب التراث والجامعات؛ ممَّا يؤثِّر على نظرة المجتمع لدورها وقدراتها. هذا الفكر تجاه المرأة يعدُّ من المشاكل المتأصِّلة في بعض موروثاتنا الثقافيَّة والدينيَّة؛ حيث تسود أفكارٌ تنتقص من قيمتها ودورها؛ إذ إنَّ بعض هذه الأفكار يستند إلى تفسيراتٍ قديمةٍ للنصوص الدينيَّة، أو إلى معتقداتٍ موروثةٍ لا تتَّفق مع مبادئ الإسلام في المساواة الإنسانيَّة.
هنا يأتي دور المؤسَّسات التربويَّة والأكاديميَّة في مراجعة الكتب والمصادر الفقهيَّة التي قد تحتوي على أفكارٍ تُنقِص من قيمة المرأة أو تقيِّد حريّاتها. كما أنَّ هناك مسؤوليَّةً عظيمةً تجاه تحرير هذه الكتب من هذه الأفكار، وتقديم فهمٍ حقيقيٍّ يتماشى مع مقاصد الشريعة التي تكرِّم الإنسان بغضِّ النظر عن جنسه.
ثانياً- إعادة دمج المرأة في الفضاء العامِّ:
يمكن القول: إنَّ المرأة تعاني اليوم من الاغتراب عن النقاشات العامَّة؛ أي: إنَّ المرأة -غالباً- ما تنسحب من الفضاء العامِّ، وتُهمِّش نفسها؛ نتيجة عوامل تاريخيَّةٍ وثقافيَّةٍ؛ ممَّا يُضعِف مشاركتها في القضايا الاجتماعيَّة والسياسيَّة.
إذاً؛ فالمرأة تواجه هنا تحدّياً آخر يكمن في انسحابها من النقاشات العامَّة والمشاركة المجتمعيَّة، وقد يكون هذا نتيجة تراكماتٍ تاريخيَّةٍ جعلتها تنسحب إلى الفضاء الخاصِّ بها، بعيداً عن الأدوار الاجتماعيَّة المؤثّرة. ويُعزى هذا الوضع جزئيّاً إلى نظرةٍ تقليديَّةٍ ترى في المرأة دوراً محدوداً ضمن الأسرة فقط؛ أي: التركيز على دورها كأمٍّ وزوجةٍ فقط بالمعنى الناقص والسلبيِّ الشائع في الأوساط المجتمعيَّة اليوم، وهذا ساهم في تهميش دورها في الفضاء العامِّ.
ولأجل تعزيز دور المرأة في الفضاء العامِّ، يجب العمل على بناء ثقة المرأة بنفسها وتمكينها ثقافيّاً واجتماعيّاً لإحداث تغييرٍ حقيقيٍّ في المجتمع؛ فمن الضروريِّ أن تشارك المرأة في الحوارات المتعلّقة بالسياسة، والاقتصاد، والقضايا الاجتماعيَّة؛ لتُسهم بشكلٍ فعَّالٍ في صنع القرار؛ ممَّا يُساهِم في تغيير نظرة المجتمع إلى قدراتها.
ثالثاً- توفير الدعم المؤسَّسيِّ والقانونيِّ:
إنَّ معالجة التحدّيات الثقافيَّة والاجتماعيَّة لن تكون كافيةً ما لم يرافقها دعمٌ مؤسَّسيٌّ وقانونيٌّ؛ فالمرأة تحتاج إلى بيئةٍ تنظيميَّةٍ توفِّر لها حقوقها القانونيَّة؛ خاصَّةً في القضايا المتعلّقة بالحضانة والزواج.
في بعض المجتمعات، تجد المرأة صعوبةً في الدفاع عن حقوقها؛ بسبب نقص المحاميات المتخصّصات في القضايا النسائيَّة، ما يجعلها تعاني من إجراءات المحاكم التي تسيطر عليها الذكورة. لذا؛ فمن الضروريِّ العمل على بناء مؤسَّساتٍ ومراكز قانونيَّةٍ تُعنى بقضايا المرأة التي تركِّز على تثقيفها وتمكينها من ممارسة حقوقها بشكلٍ كاملٍ، وتُوفِّر لها الدعم اللَّازم لتحقيق ذاتها وممارسة دورها الفعَّال في المجتمع.
تعزيز صورة المرأة اليوم في التراث الإسلاميِّ
إنَّ وجود مفاهيمَ خاطئةٍ عن المرأة اليوم مُستمدَّةٍ من تفسيراتٍ خاطئةٍ للتراث ناتجةٍ عن قصورٍ في الإحاطة العامَّة بالنصوص واقتصارٍ على النظرة الجزئيَّة فيها، يُؤثِّر على نظرة المجتمع إليها. وعليه؛ فإنَّه يجب العمل على تسليط الضوء على النماذج الإيجابيَّة التي تُبرِز دورَها القياديَّ في التاريخ الإسلاميِّ، هذا من ناحيةٍ، ومن ناحيةٍ أخرى يجب تصحيح هذه المفاهيم التي نتجت عن هذا القصور في الفهم من خلال برامج توعويَّةٍ ودروسٍ دينيَّةٍ لنشر الوعي بدورها المهمِّ في بناء المجتمع.
هذا وإنَّنا -عند مراجعة النصوص الدينيَّة- نجد أمثلةً إيجابيَّةً عن دور المرأة عبر التاريخ الإسلاميِّ؛ ومن هذه الأمثلة شخصيَّة بلقيس ملكة سبأ، التي أظهرت قوَّة القيادة والحكمة في إدارة شؤون قومها، وتأتي أيضاً شخصيَّة مريم العذراء، التي ورد ذكرها في القرآن الكريم وقد أُعطيت مكانةً خاصَّةً، وهو ما يدلُّ على تقدير الإسلام للمرأة في دورها المجتمعيِّ والدينيِّ.
إنَّ استخدام هذه النماذج في توجيه وتثقيف المرأة حول دورها، يعزِّز من قدرتها على الانخراط في المجتمع بثقةٍ، ويزيل الأفكار الخاطئة التي تنتقص من قيمتها.
التحوُّل نحو المساواة الإنسانيَّة
إنَّ أحد الأهداف الرئيسيَّة لهذا المشروع، هو تحقيق المساواة الإنسانيَّة قبل النظر في المساواة القانونيَّة؛ والإسلام يشدِّد على المساواة بين الجنسين في الكرامة والحقوق، وهذا ما يستدعي معالجة الأفكار الخاطئة التي تمَّ إدخالها عبر المرويَّات التاريخيَّة التي يعود بعضها إلى مصادر غير إسلاميَّةٍ (الإسرائيليَّات)، التي أسهمت في تحريف نظرة المجتمع إلى دور المرأة.
وبالاعتماد على النصوص القرآنيَّة والتوجيهات النبويَّة، يمكن الوصول إلى فهمٍ صحيحٍ للعلاقات بين الجنسين، يضع الأساس لمجتمعٍ متساوٍ ومتقدِّمٍ.
تحديث المنظومة الفقهيَّة لدعم حقوق المرأة
تحتاج القضايا المتعلّقة بحقوق المرأة إلى توجيهٍ فقهيٍّ مستنيرٍ، يراعي التغيُّرات المجتمعيَّة، ويقدِّم حلولاً عمليَّةً للنزاعات القائمة.
ويمثِّل الفقه الإسلاميُّ منظومةً متكاملةً لتنظيم حياة المسلم. لذا؛ يجب تقديم تفسيراتٍ حديثةٍ تتناسب مع واقع المرأة اليوم مع الحفاظ على الثوابت الإسلاميَّة. ومن المهمِّ أن تتبنَّى المناهج الدراسيَّة والمراكز الدينيَّة هذا التوجُّه، وأن يتمَّ تدريب الأئمَّة والمحامين على فهمٍ متوازنٍ لقضايا المرأة يتماشى مع قيم العدالة الإسلاميَّة.
أخيراً..
إنَّ قضيَّة المرأة ليست فقط حقوقاً فرديَّةً؛ بل هي أساسٌ لتحسين المجتمع بأكمله؛ حيث يحتاج المجتمع إلى جهودٍ متكاملةٍ في التعليم والثقافة والدين والقانون لدعم المرأة وتمكينها من ممارسة دورها بشكلٍ إيجابيٍّ وفعَّالٍ.
إنَّ تمكين المرأة في الإسلام هو ضرورةٌ مُلحَّةٌ؛ وذلك بتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات لكلٍّ من المرأة والرجل، وهذا بدوره سيؤدّي إلى مجتمعٍ أكثر عدلاً واستقراراً وتوازناً، ويمكننا أن نستعين بقيمنا الإسلاميَّة التي تضمن الكرامة والمساواة لكل فردٍ، ويضمن للمرأة أن تُساهِم بشكلٍ فاعلٍ في بناء مستقبلٍ مشرقٍ.
تحرير: د. إياد دخان