سؤال النهضة في الفكر العربي

التصنيف

المقالات

التاريخ

19/01/2024

عدد المشاهدات

3609

عصر النهضة العربي مجالٌ خصبٌ للكتابات التاريخية والفكرية التي تؤرِّخ أفكاره وتنشِّط دراسة التفاعلات الفكرية والحركية التي تربطها بعصرنا الحاضر. وها هنا مقارناتٌ بين ثلاثة كتبٍ تناولت هذا الفكر، أعرضها بحسب تعاقُبها الزمني:

1) الفكر العربي في عصر النهضة، لـ"ألبرت حوراني"، الصادر عام 1962م.

2) الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة، لـ"علي المحافظة"، الصادر عام 1975م.

3) عصر النهضة.. كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟ لـ"زكي ميلاد"، الصادر عام 2016م.

تمتاز هذه الكتب بالتباعد الزمني واختلاف الطرح، الأمر الذي دعانا إلى عمل مراجعةٍ ومقاربةٍ وعرض مقارناتٍ وملاحظاتٍ بينها.

1) الأول: الفكر العربي في عصر النهضة 1797-1939م

عُني هذا الكتاب بتأريخ الأفكار النهضوية للعرب من نهاية القرن الثامن العشر إلى منتصف القرن العشرين، صدر أول مرَّةٍ عام 1962م في بريطانيا تحت عنوان: (Arabic Thought in the Liberal Age 1798 -1939)، ثم ترجمه "كريم عزقول" تحت عنوان: "الفكر العربي في عصر النهضة 1797-1939م"، ليصدر عام  1968م.

يمكن إجمال عمل "حوراني" في كتابه هذا في العناصر التالية:

  1. توزَّع الكتاب على ثلاثة عشر فصلاً.
  2. جعل الفصول الثلاثة الأولى مدخلاً تاريخيَّاً لموضوع الكتاب الرئيسي.
  3. بدأ بتأريخ انطباع الجيل الأول وما تلاه، مستخدماً كتب الروَّاد، مستشهداً بها ومحلِّلاً لها.
  4. تعرَّض للأفكار العلمانية والقومية المصرية والعربية التي ظهرت في تلك المرحلة.
  5. قدَّم في الفصل الأخير قراءةً استشرافيةً للفكر العربي.

◼ أولاً: تحقيب الفكر العربي

  1. ذهب "حوراني" في مطلعِ كتابه إلى القول بأن العرب أشدُّ شعوب الأرض إحساساً بلغتهم، في فرضيَّةٍ سلَّم بها دون استدلالٍ.
  2. حاول تبيان تطوُّر الفكر العربي الذي وُلد بولادة النبي محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم -والذي شهد تحوُّلاً في حياة العرب- وظهور دولة الخلافة الراشدة وما أعقبها من دولٍ.
  3. انتقل إلى الجانب الفكري بشقَّيه الشرعي والسياسي.
  4. وضَّح مراحل جمع القرآن.
  5. عرَّج إلى مسألة نظام الحكم في الإسلام وغياب النصِّ الصريح له.
  6. تناول علم الجرح والتعديل الذي ساعد في تنقية السُّنَّة النبوية.
  7. بيَّن أنَّ القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية شكَّلتَا النظام المثالي عند المسلمين، وبيَّن تأثير هذا النظام على الجانب الاجتماعي، وكيف أن الممارسات التعبُّدية وحَّدت الفكر الجمعي للمسلمين، وأن كل عبادةٍ لها تأثيرها الخاصُّ في المجتمع الإسلامي.
  8. وضَّح أن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم عالميةٌ، وليست خاصَّةً.
  9. أشار إلى أن الشريعة الإسلامية أصبحت نظام حياةٍ لدى العرب، وأنها الروح المحرِّكة للدولة الإسلامية، وأن الدول الإسلامية المتعاقبة انتهاءً بالدولة العثمانية، كانت الشريعة الإسلامية المحركَ الأساسيَّ لها.
  10. لم يقدِّم تحقيباً للفكر من بداية ولادة الدولة الإسلامية، وصولاً إلى الدولة العثمانية، وإنما وضَّح جذور الفكر العربي وتطوُّره عبر التاريخ.
  11. حاول تحقيب الفكر العربي النهضوي من حملة "نابليون بونابرت" على مصر عام 1798م -وهي الفترة المعنية بها الدراسة-؛ حيث اعتبر أن الحملة الفرنسية على مصر أيقظت الفكر العربي من سباته الطويل وبعثته للنهوض، ومن هذه الفرضية انطلق في تحقيب الفكر العربي بطريقةٍ غير مباشرةٍ كالتالي:

◼ ثانياً: الفكر العربي عبر روَّاده

1. الجيل الأول (جيل الصدمة):

استخدم حوراني نصوص الروَّاد لمعرفة الفكر وتأريخه، وفق التالي:

 

2. الجيل الثاني (لا تعارض بين الدين والمدنية):

• تناول حوراني هنا أبرز رائدٍ من روَّاد النهضة وهو جمال الدين الأفغاني (1839-1897م)، ويمكن إجمال ذلك في التالي:

• حاول الأفغاني الإجابة عن سؤالٍ: كيف باستطاعة المسلمين مواجهة الاستعمار الأوروبي؟

• دعا للعودة إلى الإسلام الحقيقي.

• وضع فكرة الجامعة الإسلامية التي تبنَّاها السلطان عبد الحميد الثاني (1848-1918م).

• نشر أفكاره عبر مجلة (العروة الوثقى) التي أسَّسها في باريس.

• إضافةً لجولاته في حواضر وعواصم العالم الإسلامي.

يرى حوراني أن السنوات التي قضاها الأفغاني في مصر كانت خصبةً بالأفكار النهضوية، وأن فكره حوى فكرة المدنية التي كانت من بذور الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر.

تأثَّر بالأفغاني محمد عبده (1849-1905م)؛ حيث زعم أن الإسلام الحقيقي لا يتعارض مع المدنية الحديثة، ووضع فكرة المستبِدِّ العادل، يقول حوراني: بنى محمد عبده جداراً أمام العلمانية، فكان جسراً لها.

3. الجيل الثالث (المدنية الحديثة):

تحدث حوراني بأن فكر محمد عبده أفرز اتجاهين:

4. الجيل الرابع (السلفية الإصلاحية الإسلامية):

برزت حركة إصلاحية تحمل هذه الأفكار إثر أطروحات الأفغاني ومحمد عبده، تناول حوراني أحد أبرز أعلامها وهو رشيد رضا (1865-1935م) تلميذ عبده.

حاول إعادة إنتاج فكر شيخه ناشراً أفكارَه عبر مجلته "المنار" ومؤلَّفاته المهمَّة.

لخص حوراني أفكار رشيد بالتالي: إنَّ على الإسلام تحدي العالم الجديد، وأن يستفيد من المدنية الحديثة في أوروبا ليستطيع النهوض، وكان يدعو إلى تعديل المذاهب ووضع شريعةٍ تستند إلى القرآن والسُّنَّة ومنسجمةٍ مع العصر الحديث.

5. التيار العلماني:

ظهر تيارٌ علمانيٌّ ركَّز حوراني على أبرز روَّاده وفق التالي:

ثم عرَّج إلى تأريخ نشوء فكرة القومية العربية التي يُرجعها إلى عوامل التتريك في القرن التاسع عشر، إضافةً إلى أن هناك عوامل عديدةً دفعت بها إلى الولادة، من أهمِّها تلبية متطلَّبات الشعب العربي في العصر الحديث.

6. الجيل المعاصر:

ركَّز حوراني على فكر طه حسين (1889-1973م) معتبراً أنَّ كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" قد انطوى على مجمل فكره؛ حيث إنه ادّعى فيه أنَّ مصر جزءٌ من أوروبا، وأنَّ غاية الحياة صنع الحضارة التي تشكِّل التوازنَ بين العقل والدين أهمَّ أسباب تفوُّق أوروبا؛ فالعقل يحكم المجتمع، والدين يملأ القلوب.

2) الثاني: الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة

رفد محافظة المكتبة العربية بالعديد من الكتب التي ركَّز فيها على الجانب الفكري، منجزاً العديد من الدراسات في هذا المجال. وهو ما يجعل كتابه هذا محلَّ دراستنا.

حاول أن يقدِّم تأريخاً شاملاً لما أسماه: "عصر النهضة للفترة الواقعة من الحملة الفرنسية عام 1798م إلى بداية الحرب العالمية الأولى 1914م"، فحدَّد مجالاتٍ أسماها: الاتجاهات الفكرية، حاول أن يحصر في كلِّ مجالٍ منها أبرز الحركات والروَّاد والمفكِّرين ليؤرِّخ بصورةٍ بانوراميةٍ فكر النهضة العربي. واهتمَّ بالسرد التاريخي، دون التحليل والتفكيك للفكر.

بوَّب كتابه في أربعة فصولٍ ابتداءً بالاتجاه الديني، فالسياسي، فالاجتماعي، فالعلمي، وهو ترتيبٌ تنازليٌّ بدءاً بالأهمِّ، فالمهمِّ.

نستعرض أبرز الأفكار التي تناولها محافظة:

◼ أولاً: الاتجاه الديني

اعتبر أنَّ الردود الدينية هي أولى الردود التي اهتمَّ بها العرب للنهوض، مسلِّماً أن باب الاجتهاد أُقفل من القرن الرابع، ثم استعرض الحركات الإصلاحية من وجهة نظره وفق التالي:

◼ ثانياً: الاتجاهات السياسية

إن تقدُّم الغرب في النظم السياسية، وما أفرز عن ذلك من تطوُّرٍ صناعيٍّ وقوَّةٍ عسكريةٍ، جعل المثقفين الأتراك والعرب يطالبون بالإصلاحات السياسية، وقد برزت في كتابات خير الدين التونسي وغيره، وزَّع محافظة أبرز الاتجاهات السياسية في أربع تياراتٍ، وهي:

 

 

◼ ثالثاً: الاتجاهات الاجتماعية

حاول محافظة تأطير الاتجاهات الاجتماعية في عصر النهضة، غير أنه لم يوفَّق كثيراً في التأريخ لها؛ نظراً لقلَّة المصادر، وعدم انفتاح الكتابات التاريخية على علم الاجتماع في العالم العربي في حينه، فأرَّخ لأبرز القضايا التي شغلت المفكِّرين والروَّاد في تلك الفترة، وهي:

◼ رابعاً: الاتجاهات العلمية

كان للاكتشافات العلمية دورٌ كبيرٌ في تقدُّم وتمدُّن أوروبا من الناحية الاقتصادية والسياسية وغيرهما، وهو ما لاحظه روَّاد النهضة وبدؤوا يدعون إليه عبر الصحف والمجلَّات، وقد تطرَّق محافظة إلى ذلك ذاكراً المدارس والكليَّات العلمية في مصر وبلاد الشام، ودور محمد علي باشا (1769-1849م) في إنشاء المدارس المتخصِّصة وابتعاث الطلبة إلى أوروبا، ثم عرَّج إلى دور الصحف والمجلَّات في ترجمة العديد من الأعمال العلمية إلى العربية، وتناوُل الأخبار العلمية، وسرد أسماء الأعمال والمؤلفات العربية العلمية لتلك المرحلة في جهدٍ توثيقيٍّ كبيرٍ.

3) الثالث: عصر النهضة.. كيف انبثق؟ ولماذا أخفق؟

لزكي ميلاد العديد من الإنتاج المعرفي؛ منها هذا الكتاب الذي نال جائزة الكتاب السعودي، وقد بوَّبه في خمسة فصولٍ؛ حيث يرى أن الحديث عن النهضة وعصرها إنما هو حاجةٌ دائمةٌ ومستمرَّةٌ، فيقول: "تتأكَّد الحاجة إلى هذا العصر في ظلِّ ما نلمسه اليوم من انحدارٍ حضاريٍّ خطيرٍ"، فأعاد قراءة إشكاليَّات النهضة العربية مستعرضاً أبرز آراء الباحثين والمفكرين الذين قدَّموا دراساتٍ وأبحاثاً في القرن الماضي عن فكر النهضة العربية، محاوِلاً استنطاق هذه الدراسات، واستخراج أبرز الأفكار والفرضيَّات، معتمداً على الدراسات الحديثة التي تناولت عصر النهضة العربية، ومحاولاً الإجابة على سؤال: كيف انبثق عصر النهضة؟ ولماذا أخفق؟

◼ الفصل الأول: حاول زكي الإجابة عن سؤال: كيف انبثق عصر النهضة؟ باستعراض أربع أطروحاتٍ:

نَقَدَ ميلاد هذه الأطروحات دون أن يحدِّد موقفه منها، ورجَّح أطروحة الأفغاني بطريقةٍ غير مباشرةٍ، مقتصراً في عرضه على الجوانب الفكرية أو الإنتاج المعرفي دون باقي مجالات النهضة، فكان الأجدى في هذا الفصل أن يكون السؤال: عصر الإصلاح.. متى انبثق؟ وليس: عصر النهضةِ ذاتِ المفهوم الواسع.

◼ الفصل الثاني (المدنية في كتابات روَّاد النهضة): تتبَّع زكي البحث عن التمدُّن في كتابات روَّاد النهضة؛ كون المدنية مصطلحاً استُخدم للإشارة إلى تقدُّم أوروبا، وقسَّم الكتابات التي تناولت فكرة المدنية وعلاقتها بالدين إلى ثلاثة أزمنةٍ أساسيةٍ:

 

ثم ذهب زكي في بحثه ليوضِّح تراجع فكرة المدنية في الفكر العربي، واستثنى من ذلك مالك بن نبيٍّ الذي استبدل المدنية بالحضارة، كما فسَّر هذا التراجع بنظرية القطيعة بين مرحلتي الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر.

◼ الفصل الثالث: لماذا تأخَّر المسلمون؟ ولماذا تقدَّم غيرهم؟ وقف زكي عند سؤالٍ حاول شكيب أرسلان (1869-1946م) الإجابة عنه، فوضع عليه ملاحظاتِه:

• نبَّهَ بقيمة السؤال الذي أصبح متلازماً مع خطاب النهضة العربية.

• أفرز هذا السؤال أسئلةً أخرى اختلفت في الصيغة والتقت في المضمون، ومنها: سؤال روجيه جارودي (1913-2012م): لماذا الحضارة الأوروبية استمرَّت؟ والحضارة الإسلامية انقطعت؟ وسؤال البوطي (1929-2013م): لماذا تحجَّرت الحضارة الإسلامية؟ وازدهرت الحضارة الغربية؟

• إن السؤال ما زال معلَّقاً وثابتاً رغم مرور ما يقارب مئة عامٍ على طرحه.

ثم عرَّج إلى إجابة شكيب وتأثيرها في العالم الإسلامي، وأعطى رأيه في كتابه، ممتدحاً خلود السؤال وحضوره، وأن مادة الكتاب هي بنت بيئته.

◼ الفصل الرابع: لماذا عصر النهضة أخفق؟ حاول زكي الإجابة عن الشقِّ الثاني من سؤال كتابه، ورأى أن أكثر مَن اعتنى بدراسة إخفاق عصر النهضة هم:

ثم وضع ميلاد ردوداً معاكسةً للأطروحات الثلاثة:

• وضع نقْدَ القرضاوي الذي سار مخالفاً لما ذهب إليه حنفي؛ حيث يرى القرضاوي أن الخطَّ البيانيَّ كان تصاعديَّاً؛ فمحمد عبده كان أقرب إلى الانضباط بمحكَمات الشرع من شيخه الأفغاني.

• وضع نقْدَ محمد عمارة (1931-2020م) الذي يرى أن السياق التاريخيَّ الذي ظهر فيه روَّاد النهضة كان مغايراً عن الجيل السابق.

• قدَّم نقْدَه لهذه الأطروحات الثلاث؛ حيث يرى أن الخطَّ البيانيَّ كان متبايناً ما بين الصعود والنزول، وأظهر غياب الفكر الشيعي بين هذه الأطروحات رغم أن رائد النهضة الأفغانيَّ كان شيعيَّاً.

◼ الفصل الخامس: استعرض ميلاد ثلاث دراساتٍ بارزةٍ تناولت تأريخ فكر النهضة اشتهرت في القرن الماضي كالتالي:

فقدَّم عرضاً لهذه الدراسات، وقارن بينها ونَقَدَها، ورجَّح وعي فهمي الجدعان، وأنه تفوَّق على باقي أقرانه.

• مقارناتٌ وملاحظاتٌ:

◼ المقارنات:

• اتفق حوراني ومحافظة على أن لحظة انبثاق فكر النهضة كانت مع الحملة الفرنسية على مصر، بينما تحفَّظ ميلاد على رأيه مؤيِّداً أطروحة الأفغانيِّ باعثِ فكر النهضة العربية.

• عاد حوراني إلى كتابات روَّاد النهضة كقاعدةٍ للانطلاق منها في التأريخ، بينما اتخذ محافظة اتجاهاتٍ محدَّدةً كقاعدةٍ لينطلق منها، أما ميلاد فقد استخدم أبرز الدراسات التي تناولت هذا الفكر من جوانبَ مختلفةٍ.

• حاول حوراني تحليل كتابات روَّاد النهضة، بينما ركَّز محافظة على السرد التاريخي دون تحليلها، أما ميلاد فحاول تفكيك الدراسات التي تناولت فكر النهضة، وأجاب على سؤال: لماذا أخفق فكر النهضة؟ السؤال الذي غاب لدى حوراني ومحافظة.

• شمل كلٌّ من حوراني ومحافظة في كتابَيهما التاريخ السياسي رغم أن محور الكتابين التأريخ الفكري، بينما تميَّز ميلاد بالعناية بالتاريخ الفكري، ولم يعطِ للتاريخ السياسي مساحةً في كتابه.

• غفل حوراني وميلاد عن رجال الدين أو التيَّار السلفي الإصلاحي، بينما تناولهم محافظة في سرديَّته، واعتبرهم باكورة فكر النهضة.

• تناول محافظة الحركات والتيَّارات الفكرية، بعكس حوراني وميلاد اللَّذَيْن تناولَا الأشخاص على حساب الحركات والتيَّارات الفكرية.

• وقعت الدراسات الثلاث تحت تأثير المشرق العربي وإنتاجه الفكري وإغفال المغرب العربي والجزيرة العربية، وإن كان محافظة تناول بعض الحركات في الجزيرة العربية، إلا أنه لم يتعمَّق في مقاربته.

 

◼ملاحظات:

• الأولى: أغفلت الدراسات الثلاث دور الدولة العثمانية الحاكمة في التأثير الفكري والاجتماعي على مناخ الفكر العربي، متبنيةً أطروحة أن العرب في مصر حدث لهم صدمةٌ حينما دخلت الحملة الفرنسية مصر، وأن الدولة العثمانية عرفت قبل هذا التاريخ تقدُّم أوروبا وحداثتها، ممَّا أثَّر على ولاياتها العربية.

• الثانية: طرحت الدراسات الثلاث بعض الفرضيَّات دون اختبارٍ؛ فحوراني وضع فرضية أن الأمة العربية أكثر الشعوب اعتزازاً بلغتها، وأن الأفغاني شيعيٌّ دون استدلالٍ، ومحافظة سلَّم بفرضية الفكر الغيبي الجامد والحركة السلفية الإصلاحية البرهانية، وادَّعى أن باب الاجتهاد أُغلق منذ القرن الرابع الهجري دون إثباتٍ، وميلاد سلَّم بشيعية الأفغاني دون أن استدلالٍ.

• الثالثة: لم تُعِرِ الدراسات الثلاث الاهتمام بالتحوُّلات الفكرية لروَّاد النهضة، فمحمد عبده الشاب ليس محمد عبده الكهل، فوضع محافظة محمد عبده مع تيار الرابطة العثمانية لاستدلاله بإحدى مقالاته التي امتدح فيها الدولة العثمانية، بينما محمد عبده كان ضدَّ الدولة العثمانية، ويرى ألَّا عزَّة للإسلام إلَّا بالعرب.

• الرابعة: لم يخلُ كتاب حوراني من الاستشراق رغم كرهه هذه الصفة؛ إذ يُرجِع كلَّ مؤلَّفٍ أو فكرةٍ إلى الغرب باعتبارها الأصل، وما وُجد في العالم العربي فهو تأثيرٌ قادمٌ من الغرب، بينما نجد محافظة وميلاد قد امتزجت كتاباتهما بالحنين إلى النهضة العربية دون أن يتخلَّلها تبجيلٌ مبالَغٌ فيه.

• الخامسة: لم يتمَّ إعطاء مساحةٍ كافيةٍ في الدراسات الثلاث لرجال الدين أو روَّاد الحركات الإصلاحية السلفية، وإن تمَّ تناولها في كتاب محافظة، إلا أنه لم يتعمَّق في دراستها؛ فاعتباره الشوكاني منتمياً إلى الحركة السلفية يحتاج إلى إعادة نظرٍ، أما حوراني وميلاد فلم يتمَّ تناول رجال الدين المجدِّدين في مقارباتهما.

• وأخيراً: تناولت الدراسات الثلاث عصر النهضة من زوايا مختلفةٍ؛ فأرَّخ حوراني للفكر عبر روَّاد النهضة، بينما تناول محافظة الاتجاهات المختلفة محاولاً التأريخ لكل اتجاهٍ في عصر النهضة، أما ميلاد وهو صاحب الإصدار المتأخِّر، فتناول الدراسات التي نقَّبت في حقل عصر النهضة عبر مواضيعَ محدَّدةٍ، محاولاً إنشاء مقارباتٍ ومقارناتٍ لمواضيعَ تناوَلَها الدارسون.

◼ وبعد استعراضنا للدراساتِ الثلاث موضِحين معالمها وأبرز أفكارها، وملاحظاتنا عليها، نخلص إلى التالي:

  1. دراسة تأريخ الفكر يحتاج إلى الشمولية والدقَّة في تناول النصوص، والحرص على جمع أكبر قدرٍ من كتابات تلك المرحلة.
  2. الاستعانة بدراساتٍ فكريةٍ متخصِّصةٍ بروَّاد النهضة، لكي لا تُفهَم الكتابات المدروسة لهذه المرحلة فهماً خاطئاً.
  3. العناية بالتحوُّلات الفكرية لشخصيَّات الدراسة، ومعرفة أسباب التحوُّل وماهيَّتها، في مرحلة الشباب ومرحلة الكهولة لكل شخصيةٍ.
  4. تحتاج دراسة الفكر التاريخي إلى معرفةٍ عابرةٍ للتخصُّص في مجالات الفقه واللغة العربية والعقيدة والاجتماع، والاطلاع الواسع على كتاباتٍ أجنبيةٍ عاصرت مرحلة الدراسة المعنيَّة.
  5. ما زالت هناك مواضيعُ عديدةٌ في عصر النهضة العربية تحتاج إلى التنقيب والدراسة واهتمام الباحثين بها.

مختصر من سلسلة مقالات للكاتب فوزي الغويدي، نشرت في موقع حكمة يمانية ، تحرير د. إياد صبحي دخان

القراءة الفاعلة في العصر الرقمي الــفــيــلــســوف إنــســان الــنــقــصــان