يفنِّد كتاب «عرقٌ متوهَّم: تاريخ موجز لكراهية اليهود» للكاتب اليهودى «شلومو زَند» أستاذ التاريخ العام بجامعة تل أبيب، الرواية التى تزعم أن يهود اليوم ينحدرون من عرق ساميٍّ خالص متجانس، مستشهدًا فى تفنيده إياها بالتأريخ لتهوُّد أناس ينحدرون من أعراق مختلفة، فى جميع أنحاء العالم، من غير العرق السامى. ويستعرض الكتاب تاريخ العلاقة المركبة بين اليهودية والنصرانية، منذ نشأة النصرانية، حتى بلوغ ظاهرة كراهية اليهود فى أوروبا ذروتها لأسباب مركبة؛ من بينها السبب العَقَدى. ويلحَظ الكتاب أن كراهية اليهود فى أوروبا شملت مختلف التيارات والاتجاهات الفكرية؛ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.
الكتاب نقله عن العِبرية الأستاذ الدكتور يحيى محمد عبد الله أستاذ الأدب العبرى الحديث بجامعة المنصورة وأميرة عمارة كما راجعه وقدَّم له أيضا الدكتور يحيى عبد الله.الكتاب صدر حديثًا عن مدارات للأبحاث والنشر بالقاهرة
ويشير الدكتور يحيى عبد الله، إلى أن هذا الكتاب يكتسب أهميته من أمرين: الأمر الأول هو، الموضوع، نفسه، أي، موضوع ما يُسمَّى بـ«النقاء العرقي» المزعوم لليهود، وأسباب الكراهية التى يضمرها النصارى تجاه اليهود منذ ظهور النصرانية، وتمددها فى حوض البحر الأبيض المتوسط، وانتشارها فى القارة الأوروبية وإلى يومنا هذا حتى بعد قيام دولة إسرائيل.
يحيى عبدالله
أما الأمر الثاني، فيتعلق بالقيمة العلمية والبحثية للمؤلف نفسه، شلومو زند (1946ـ)، أستاذ التاريخ العام المتفرغ بجامعة تل أبيب، وبالمبادئ التى يتبناها، وباختلافه إلى حد ما عن أقرانه من الباحثين والأكاديميين الإسرائيليين، وانفتاحه على المثقفين الفلسطينيين وهمومهم القومية.
وحث «يحيى» زملاءه من المتخصصين فى حقل الدراسات الإسرائيلية متابعة كتابات شلومو زند وغيره من الباحثين الجادين، حتى وإن قاربوا الحقيقة على استحياء، وترجمتها إلى العربية.
مؤكدا أن الكتاب يحتوى على خمسة عشر مقالًا، يبدأ الأول: عن الكتابة الذاتية، بالحديث عن الكتابة غير المتجردة، وغير الموضوعية، التى لا تخلو من التحزب، والاتساق مع الذات اليهودية على حساب الذات الأكاديمية، وهو يعترف، فى المقالة، بأن القراء «سيجدون كثيرًا من نقاط الضعف والعيوب فى كتابتي».
يلفت زند النظر فى المقالة إلى أنه يفضل مصطلح «كراهية اليهود» بدلًا من المصطلح الشائع «معاداة السامية»، مشيرًا إلى أن يهود أوروبا لا يمتون بصلة إلى العرق السامي، وإلى أن كراهية اليهود ليست مرضًا متأصلًا فى السلوك الإنساني، وإنما نوبات ترتبط بسياقات أيديولوجية أو بملابسات اجتماعية ـ اقتصادية وسياسية.
أشار الكاتب فى هامش المقال إلى أنه «لا يتطرق إلى كراهية اليهود فى ظل الحضارة الإسلامية بسبب نقص المعرفة فى هذا المجال»، مشيرًا إلى أنه كانت هناك «حالة من التعالى على اليهود أكثر منها كراهية، سواءٌ فى التشريعات أم فى الممارسة اليومية». ويرى دكتور يحيى أن حجة «نقص المعرفة» حجة داحضة وواهية، إذ كيف يستعصى هذا الأمر على باحث جاد مثله، والأرجح أنه لم يجد مادة علمية متماسكة تؤكد زعمه مثلما فعل، بالأرقام والتواريخ، فى حالة كراهية أوروبا النصرانية لليهود؛ من جانب آخر، تشير كل المصادر العلمية اليهودية، بلا استثناء، تقريبًا، إلى أن اليهود لم ينعموا، على مر التاريخ، بأمن وازدهار مثلما نعموا فى عصر الدولة الإسلامية، التى يسمونها، عن حق، «العصر الذهبي»، فى كل مجالات العلم والحياة.
مؤكدا على أن العقلية الإسلامية لم تضمر كرها قط لليهود أو للديانة اليهودية، وإنما انصبت كراهيتها على ممارسات الحركة الصهيونية، التى تحالفت مع الاستعمار الغربي، وأرادت حل مشكلة يهود أوروبا النصرانية على حساب الشعب العربى الفلسطينى وأرضه. وشتان بين كراهية ومعاداة الصهيونية وكراهية اليهود أو ما يُسمَّى بـ «معاداة السامية». الأولى كراهية لفعل عدواني، أما الثانية فكراهية لـ «عرق» بعينه.