نتناول في هذه الدراسة آليات تحقيق الإنصاف، من خلال الفقه الجنائي في الفلسفة والقانون. ونتوقّف عند الإنصاف بين المفاهيم الأخلاقية الاجتماعية والمفاهيم الجنائية من موقع الفلسفة التحليلية. ونتوقف كذلك عند أخلاق الحمد وأخلاق الذمِّ كما طورها بيتر ستراوسن، وهي ردود الأفعال المستهجنة أو المستحسنة. لكننا نفحص مدى الوجاهة المعيارية التي يفترضها الاحتكام إلى القيم الاجتماعية، ومدى صلاحية القيم في تأسيس القانون الجنائي. وهذا ما دفع فلاسفة القانون إلى تحويل إشكالية التنظيم القانوني لمواضيع الاستهجان أو الاشمئزاز أو الاستنكار إلى موضوع فلسفي بامتياز.
تنبني المنظومة الأخلاقية والقانونية على وضع فصل حادّ ونهائي بين الإنسان العاقل والحيوان الغريزي؛ والحال أنّ فريدريك نيتشه يعتبر أنّ نسبة كبيرة من مشاعر الاستهجان والإحساس بالغثيان والنّفور والتقزز لا تحتاج إلى تنظيم قانوني وأخلاقي متفاوت في درجات التجريم والعقاب. وتكاد تكون أغلب هذه الانطباعات الارتدادية ذات حمولة ثقافية من وحي المجتمعات، وليس من وحي الطبيعة. وهذا هو المعطى الذي ما يزال يعرف فحصًا عميقًا في فلسفة الأخلاق المعاصرة وتنظيمها القانوني والجنائي.