مر سوق العمل المصري بعدد من المراحل اتسمت كل منها بسمات مختلفة؛ ففي عقد الستينيات شهد سوق العمل وفرة في الأيدي العاملة، وتم التوسع في معدل التوظيف، واتسمت تلك الفترة بانخفاض معدل البطالة السافرة، ولكن سادت ظاهرة البطالة المقنعة في عدد كبير من القطاعات، ومع تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادي في منتصف السبعينيات ارتفع معدل النمو الاقتصادي، واتسمت تلك المرحلة بزيادة الطلب على العمالة المصرية من دول الخليج، بما ساهم في الحد من ظاهرة البطالة، وظهر- آنذاك- عجز في بعض المهن والمهارات، يقابله فائض من المتعلمين؛ حيث استمر قطاع التعليم في ضخ إنتاجه من المتعلمين في سوق العمل دون توقف في ظل انخفاض جودته، وتكدس القطاع الحكومي والقطاع العام بالعمالة المقنعة.
ومع تبني الدولة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي ما بين عامي:( 2014- 2019)، انخفضت معدلات البطالة انخفاضًا كبيرًا ثم أخذت في الزيادة المطردة خاصة بين حملة المؤهلات العليا، وما يثير القلق ما أشارت إليه الدراسات عن تدهور جودة مخرجات مؤسسات التعليم العالي، وعدم توافق مهاراتهم، والمهارات المطلوبة في سوق العمل؛ بســبب افتقــاد الخريجيـن الجـدد للكفاءة والمهارات اللازمة للوفاء بمتطلبات سوق العمل، وكذلك افتقادهم إلى المهــارات الأساســية، ومن المعروف أن مؤسسات التعليم العالي تلعب دورًا كبيرًا في تحسين القدرة التنافسية لخريجيها؛ من خلال تحسين جودة مخرجاتها، بما يلائم سوق العمل ومن ثم استهدفت الدراسة تحليل سياسات التعليم العالي المرتبطة بتلبية متطلبات سوق العمل في مصر- بوصفها الموجه والمحدد الرئيس لسياسات التعليم، ومضامينه- من أجل محاولة إيجاد مجموعة من الحلول التي تساعد مؤسسات التعليم العالي في تحقيق التوافق بين مهارات مخرجاتها، ومتطلبات سوق العمل.
واُعتمد في الدراسة الحالية - نظرًا لطبيعة القضية المعالجة، وأهداف دراستها- على المنهج الوصفي؛ وتوصلت إلى أن نظام التعليم العالي في مصر يوفر "التعليم للجميع" دون طرح سؤال "التعليم من أجل ماذا؟" وعليه يمكن القول إن تغيير الحاجات والمتطلبات المجتمعية، يفرض على السياسة التعليمية أن تعيد النظر في أهدافها، وخططها، وأدوار مؤسساتها بين مرحلة وأخرى في ضوء تحولات المجتمع، والتكيف مع مستجداته؛ الأمر الذي يجعلها أمام إجراءات تصحيح لمساراتها، ومراجعة خططها وبرامجها وتنويعها بما يتلاءم مع الحاجات الحقيقية للمجتمع المتطور.