عرض كتاب مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية

التصنيف

مقالات متنوعة

التاريخ

03/05/2024

عدد المشاهدات

94

حين ظهر كتابُ "دراسات قرآنية" لجون وانسبرو (John Wansbrough) سنة 1977م، كان من الميسور الوقوفُ على دلالة هذا العنوان الذي يُومئ إلى مجموعٍ من الدراسات التي تتناول القرآنَ وتفسيرَهُ. على أن هذا الاصطلاح نفسَه الوارد في عنوان الكتاب المرجعي المعنون بـ"مرجع أكسفورد في الدراسات القرآنية" (وهو الكتابُ الذي سنشير إليه من الآن فصاعدًا بـ"المرجع") يحمل معنًى مغايرًا؛ إذ أمسى الآن دالًّا على مبحثٍ معرفيٍّ مستقلٍّ بذاته، أو على الأقل صار دالًّا على حقل فرعي أساسي من حقول الدراسات الإسلامية. وقد برز هذا التعبيرُ الاصطلاحيُّ [وأعني به "الدراسات القرآنية"] بوجه خاص في العالم الناطق بالإنجليزية، وإن كان ثمة تطوراتٌ مشابهةٌ وقعت في بعض الأقطار الأخرى. فثمة ابتداءً دوريتان للدراسات القرآنية تَصْدُران بالإنجليزية، بالإضافة إلى جمعية أكاديمية واحدة على الأقل، وطائفة من المؤتمرات والحلقات النقاشية التي تُعْقَد على نحو مطرد في موضوع "الدراسات القرآنية". وهذا كلُّه أمرٌ جديدٌ نسبيًّا.

 

وفي الحق أن مصطلح "علوم القرآن" كان موجودًا منذ أمدٍ بعيدٍ. فهل تُعَدُّ لفظة "دراسات" الامتدادَ المباشرَ لكلمة "علوم"؟ لستُ أدري كيف يمكن الإجابةُ عن هذا السؤال، بيد أنه من المفيد أن نقارن كتاب "المرجع" بالمصنَّف الكلاسيكي (الصغير نسبيًّا) "الإتقان" للسيوطي (ت911هـ/1505م)، الذي يندرج تحت فنِّ "علوم القرآن".

 

و"الإتقانُ" عملٌ فيلولوجيٌّ في العموم؛ فهو يُعالج النصَّ القرآنيَّ، ويتناول طريقة استعماله للغة، ويُولي اهتمامًا فائقًا لإثبات النص وروايته (فكيف أُوحي به؟ ثم كيف جُمِعَ؟ ومتى؟ وأين؟ وفي بعض الأحيان لماذا؟)، ويوضِّح لنا كذلك كيف نفهمُ معانيَهُ، ولا سيما من حيثُ تفسير مقاصد آياته المختلفة وتبويبها. فهذا الكتابُ إذن لا يفسِّر لنا القرآنَ، ولكنه يَقِفُنَا على ما ينبغي علينا معرفتُهُ حتى يستقيمَ لنا هذا التفسيرُ. زِد على ذلك أنه يُصَوِّر سماتِ الأسلوب القرآني وخصائصَهُ البيانية، عن طريق السَّبْر والتقسيم عادةً.

 

وأما كتابُ "المرجع في الدراسات القرآنية" فيتناول -من حيثُ المبدأ- الموضوعات نفسَها، وإن كان من الواضح أنه يستجيب لطائفة من الشواغل هي أشد اختلافًا وأرحب نطاقًا من شواغل القُرَّاء الذين كان السيوطيُّ يخاطبهم. ومن المحقَّق أن الفيلولوجيا العربية  ظلت تلقي بظلالها على الكتاب، وإن لم تكن مهيمنةً تمام الهيمنة. ويتمثَّلُ وجهُ الاختلاف الأوضح بين "الإتقان" و"المرجع" في أن هذا الكتاب الأخير بدا في العموم أقلَّ اعتناءً بالنص القرآني في ذاته؛ إذ صَرَفَ عنايتَهُ إلى كيفية فهم الناس له.

 

وينتظم كتابُ "المرجع" ثمانية أبواب، يمكن إدراجُهَا تحت مجالات الاهتمام الأساسية الآتية: الأول: الوضع الراهن لحقل الدراسات القرآنية، أي: دراسة القرآن في الجامعات الأوروبية والأمريكية (دون سواها). الثاني: الأصول المـُمْكِنة للقرآن وسوابقه المحتملة، سواء في اليهودية أو المسيحية أو الجزيرة العربية قبل الإسلام أو أواخر العصر القديم على العموم. الثالث: إنشاء النص المادي ونشره في المخطوطات والمطبوعات وخطوط الكتابة والنقوش (ويشمل ذلك هاهنا الترجماتِ، بالإضافة إلى الاقتباسات القرآنية في الشعر وغيره من فنون الأدب والكتابة). الرابع: الأسلوب والمضمون. الخامس: التفسير والشروح. وتشتمل هذه الأبوابُ الثمانيةُ على سبعة وخمسين فصلًا توفَّر على تأليفها ما يربو على خمسين باحثًا. ومن الواضح أنه لن يتأتَّى لنا -في مراجعة مُوجَزة كهذه- أن نَحْكُم على محتويات كتاب "المرجع" حُكْمًا مُنْصِفًا، بيد أنني أستطيع أن أقول: إنه كتابٌ رفيعُ المستوى في الجملة، وإنني قد أفدتُ من فصوله السبعة والخمسين كلِّها تقريبًا.

 

لطفًا متابعة القراءة في موقع مركز نهوض للدراسات والبحوث
كومنولث - ولايات إسلامية متحدة عرض كتاب حرب الذكاء - الذكاء الاصطناعي في مواجهة الذكاء البشري