إن إعادة بناء منهج النظر إلى القيم الأخلاقية يجب أن يتم بنقل القيم من دائرة الوجود الكمالي أو التجزيئي أو التهميشي إلى دائرة النموذج الحاكم والإطار المرجعي. إن حاكمية القيم – بوصفها مفردة مركزية في الرؤية الإسلامية- تسعى إلى وضع أسس قيمية أخلاقية تكون مرتكزات لنموذج الحياة. فإن الحياة بمعزل عن القيم الأخلاقية ما هي إلا إرادة القوة، وشرعة العنف والمنفعة.
إن المشروع الحداثي هو رؤية إلى العالم مبنية على إفراغه من مضامينه الدينية وملئه بالمضامين المادية، فتستحيل وظيفة المعرفة تبعاً لهذه الرؤية، لا كشفاً لآيات الحضور الإلهي في عالم الطبيعة، بل معرفة ناهمة بإرادة القوة للسيطرة على عالم الطبيعة وعالم الإنسان. أما منظومة القيم فقد نُزعت القداسة عنها وتم فصلها عن أي مصدر متعالٍ، كما تم إسكانها في النسبية والسياقات التاريخية، وجعلها وليدة الجدوى والمنفعة، فأصبحت القيم الأخلاقية مرتبطة بمعيار المنفعة والقوة.
ويعتبر المشروع الحداثي الغربي هو المسؤول – معرفياً وحضارياً- عن ابستمولوجيا الفصل بين نظام القيم الأخلاقية ودوائر المعرفة الأخرى، وهذا ما يدفع نحو التحليل والتوسع في الحديث عن مركزية القيمة الخلقية بوصفها إطاراً مرجعياً ومفهوماً شاملاً ونواة محيطة بكل الفاعليات الإنسانية.
الإطار المرجعي لمنظومة القيم
ليست القيم الأخلاقية في التصور الإسلامي مجرد فضائل؛ أي وصف تكميلي لا يحدث الضرر بفقده، وإنما هي إطار ناظم، وعنصر تأسيسي، ومفهوم محيط بمختلف العناصر الممثلة للحياة. إن السعة المفهومية والاشتقاقية التي يوفرها النص القرآني لمفهوم القيم ينقلها من الوجود المثالي إلى الوجود الفعلي الحركي، وذلك لارتباطها القوي بالاستقامة العملية، عن طريق كف العقل عن الهوى، والنفس عن الشهوات، وتدبير الحياة الإنسانية تدبيراً قيمياً تكون فيه المشروعية للقيم العليا، لا للوقائع المتحركة. وهذا الحضور للقيم في الحياة يعني “أن مهمة القرآن، الكتاب الذي يشمل المثالية الإسلامية في كمالاتها، هي مهمة قيمية بالأساس، فهناك مهمة أساسية عملية تجدها في قوله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم). ومهمة القرآن هداية تقوم على نظام عملي يصوغ حياة طيبة تليق بآدمية الإنسان وإنسانيته”[1].
وتأسيساً على ذلك، يمكن اعتبار القيم إطاراً مرجعياً، ومنظومة تأسيسية، “وأسمى القيم الحاكمة ثلاث: 1. التوحيد 2. التزكية 3. العمران. وسائر القيم الأخرى الكلية منها والجزئية تنتهي إلى هذه القيم الثلاث التي لا يمكن أن ينفصل أي منها عن الآخرين؛ فالتوحيد غاية التزكية وهدفها، ووسيلتها في الوقت ذاته. والعمران ثمرة للتوحيد والتزكية معاً، فلا يوجد على حقيقته، وبشروطه، بدونهما”[2].
التكامل الأخلاقي والشخصية الارتقائية