في ضوء القرآن الكريم.. ما هي العقبات الكبرى التي يواجهها الإنسان؟

في ضوء القرآن الكريم.. ما هي العقبات الكبرى التي يواجهها الإنسان؟
محاور الحلقة: 
العقبات الكبرى أمام الإنسان
في هذه الحلقة سنتكلم عن العقبات الكبرى أمام الإنسان، وهي: الشيطان والنفس.
موقف الملائكة من السجود لآدم
لو جئنا للآيات، قول الله عز وجل: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا}، إلا إبليس أبى واستكبر.
في مشهد سابق كان الملائكة حاضرين، فلدينا مخلوقان: الملائكة وإبليس. إبليس هنا، من أول وهلة، يعاني من مشكلة كبيرة جدًا، مشكلة نفسية عميقة، إذ أبى واستكبر.
الملائكة هم مخلوقات طائعة تسبح الله، لا تعصيه أبدًا، وتنفيذ الأوامر هو طبيعتها. فلما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم، سجّدوا جميعًا إلا إبليس الذي أبى واستكبر.
المخلوقات الثلاث وطبائعها المختلفة
المخلوق الثالث هو آدم، حيث قال الله له: "يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة".
إذًا لدينا ثلاث مخلوقات لهم طبائع مختلفة:
- مخلوقات أرادها الله ألا تعصي الله، وليست لها خيارات سوى تنفيذ ما تؤمر به (الملائكة).
- مخلوق طابعه العصيان والتمرد، فيه كبْر وأنفة، يرفض تنفيذ الأوامر (إبليس).
- مخلوق بين بين، وهو الإنسان، إذا تعلم ارتقى، وإذا قل علمه انخفض أداؤه، وأحيانًا يتحول إلى شبه شيطان.
موقف إبليس وتحليل نفسيته
القرآن يتكلم عن إبليس، الذي عنده مشكلتان:
الأولى: أنه أبى، أي انتسب إلى آبائه ورأى في أصله أنه أفضل من الإنسان الذي أمر بالسجود له، فاستكبر.
الثانية: يعتقد أنه أكبر من أن يسمع الكلام وينفذ الأوامر.
هو يرى نفسه كبيرًا جدًا ويستند في هذا الكبر إلى أصله العظيم، فهو مخلوق من نار، وآدم مخلوق من طين، وهذا الأصل يرى إبليس أنه أفضل من أصل آدم. لذلك رفض السجود، وهذه القضية هي قضية "أبى واستكبر".
مظاهر الكبرياء وأثرها في الإنسان
هذه الآفة (أبى واستكبر) ليست مقتصرة على إبليس فقط، فالإنسان أيضًا قد يرى نفسه أكبر من أن يسمع الكلام أو يتبع، ويعتقد أنه له أصل أو مكانة أفضل من الآخرين.
في مكة، على سبيل المثال، كان أهل دار الندوة يطالبون بمجلس خاص بهم، مختلف عن بقية المسلمين، لأنهم يرون أنهم لهم الأصل وهم أكبر من أن يجلسوا مع غيرهم. هذه من مظاهر "أبى واستكبر".
المتكبر لا يرى المشهد الكلي، لأن نفسه تتضخم فتبدو أكبر من المحيط به.
تأثير الكبرياء وعدم رؤية الصورة كاملة
هذه الآفات الكبرى "أبى واستكبر" وعدم رؤية المشهد الكبير قد تتلبس الفرد أو المجتمع أو الأمة، عندما لا تنظر إلى حقائق الأمور كما هي.
هذا يؤدي إلى المعصية الكبرى وهي عصيان الله عز وجل.
قصة آدم عليه السلام ومشكلة الاستماع للوسوسة
آدم عليه السلام دخل في المشكلة الثانية: مشكلة النفس والاستماع إلى وسوسة الشيطان. أُمر ألا يأكل من الشجرة، لكنه لم يستطع الصبر على أمر الله، ووسوس له الشيطان فأكل هو وأمنا حواء، فأُخرجوا بسبب هذا الذنب.
التوبة والرحمة الإلهية
لكن في هذا المشهد، تلقي آدم من ربه كلمات، فتُب عليه، لأن الله هو التواب الرحيم. آدم اتجه إلى الله بالتوبة والمغفرة، والله سبحانه وتعالى منحه التوبة، وهذا يبين عظمة رحمة الله.
سعة رحمة الله ومجال التوبة للإنسان
الآية تعبر عن أن الله "التواب الرحيم"، وهذا يعني أن هناك أخطاء كثيرة تحتاج إلى توبة كثيرة ورحمة واسعة.
السؤال: كم مسموح للإنسان من المعصية والتوبة؟ وما مقدار عفو الله ومغفرته؟
قصص بني إسرائيل في القرآن ودروس العفو الإلهي
بعد هذه الآيات، يأتي ذكر بني إسرائيل وقصتهم مع موسى عليه السلام، وهي قصة مليئة بالمعاصي وعفو الله المتكرر. الله يذكرهم بأنه هو الذي أنقذهم من فرعون، رغم عصيانهم، ويكرر عفوه عليهم.
هذا كله رسالة للإنسان بأن عفو الله واسع جداً، وتوبته واسعة، ورحمته ممتدة حتى لو كانت المعاصي كبيرة.
طريق التصحيح الإلهي وكيفية التوبة
- رحمة الله جزء من مشروعه، وهو "ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
- طريق التصحيح الإلهي هو طريق تصحيح أخطاء الإنسان.
- الإنسان يُجازى في يوم الحساب على أعماله، لكن الله يفتح باب الأجر بشكل كبير، فالحسنة بعشرة أضعاف، والسيئة تُكتب واحدة، وإذا تاب الإنسان تُحول السيئة إلى حسنة.
- العبادات مثل الصلاة والوضوء والعمرة والكفارات بينهما تعيد الإنسان لطهارة كاملة.
رحمة الله مع اليائسين وإمكانية الإصلاح
- الناس الذين ييأسون من رحمة الله، يعتقدون أنه لا مخرج لهم ولا توبة. لكن هناك مسار كبير للإنسان للتوبة والرجوع إلى الله، والله يريد لكل إنسان الخير.
- لا يحصر الإنسان في زاوية الشر، ولا يعتبره شريرًا بلا أمل، بل يعتبره خيرًا قابلًا للإصلاح.
اختيار الطريق والظلم الذاتي
الناس الذين ختم الله على قلوبهم هم من اختاروا طريقهم، والله لا يظلمهم بل هم يظلمون أنفسهم. الله يعاقبهم على ظلمهم لأنهم بدأوا بالظلم.
التوجيه النهائي
إذا استطاع الإنسان تجاوز عقبة النفس المتكبرة، وتنبه لإغواء الشيطان ولجأ للتوبة، فإنه يجد طريق الفلاح والنجاة بإذن الله.
هذا القرآن يهدي إلى التي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأجر كبير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.