عشر رسائل من وحي كتاب (9 خطوات تغير بها حياتك: منهج المحاسبي لتعديل السلوك)

عشر رسائل من وحي كتاب (9 خطوات تغير بها حياتك: منهج المحاسبي لتعديل السلوك)
عشر رسائل من وحي كتاب
(9 خطوات تغير بها حياتك: منهج المحاسبي لتعديل السلوك)
-قراءة بين السطور  -
د. إبراهيم بوزيداني
لا أتطرق هنا للمعلومات التي وردت في كتاب (9 خطوات تغير بها حياتك: منهج المحاسبي لتعديل السلوك)، بل سأتطرق لما أخفيته خلف السطور ، سأتحدث عن ما يجب على القارئ أن يستشفَّه من خلال ما أراد الباحث إيصاله إليه. وإليكم الرسائل التالية:
الرسالة الأولى: (فهم الحاضر مرهون باستيعاب الماضي)
لا مستقبل دون إدراك واستيعاب الماضي. لقد رسم المحاسبي وغيره من العلماء مسارات علمية وعملية متعددة الروافد الحضارية، استشف الغرب الكثير من قيمها الحضارية، ثم جاء من بني جلدتنا من أراد تسفيه هذه المنجزات بطرق وحجج عدة. قيمة التراث أيها القارئ الكريم، ليس فيما فيه من حقائق وعلم ومعارف فقط، بل هو حامل وحاضن لمخزون قيمي عميق، يمثل هويتك وثقافتك، فلا حاضر ثقافي وحضاري لك، دون أن يكون امتداداً لما بناه الأوائل. فلا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، تريد أن تعرف السر؟ قم إذن بمساءلة فكرية جادة للتراث ، وكتاب (9 خطوات تغير بها حياتك: منهج التدبر عند الحارث المحاسبي لتعديل السلوك) قد يكون رائدك في ذلك.
الرسالة الثانية: (العلم بين الروح الإسلامية والروح اليونانية)
ليس كل ما كتب باللغة العربية أو في الجغرافية الإسلامية أو ممن يحملون أسماء عربية في القرون السالفة، وحتى الفاضلة منها، يعبر من خلال آثاره وكتاباته عن الروح الإسلامية الأصلية. بل هناك من "محمد"، و "عبد الله" بالاسم، لكنَّه "أفلاطون" أو "سقراط" بمنهج المعرفة والفكر. ولقد صدق مؤرخ الفلسفة الدكتور على سامي النشار حين عبر عن هذه الفكرة قائلا: "لقد أخذ الغرب روح الإسلام، وأخذ المسلمون روح اليونان"، أخذ الغرب المنهج الاستقرائي المقتحم للواقع وعالم الشهادة، تفاعلًا واكتشافًا ومعرفة للحقائق، في حين أخذنا المنهج الاستنباطي الذي أغرقنا في نقاشات بيزنطية عقيمة لا تولد الفكر، والحقائق، بل تغرق أصحابها في الفكرة نفسها، حتى تتحول الفكرة وصاحبها موحلًا فيها متوحلًا بوحلها.
الرسالة الثالثة: (حقائق النفس مبثوثة في كتب القدماء! )
من العجيب أن كل كتب علم النفس الحديث -أو قل جلها- لا تعرف النفس رغم أنها تدَّعي معالجة الأمراض النفسية. لقد سار الأقدمون وفق منطق معرفي سليم، فلا يلجون في موضوع من المواضيع، دون أن يشكلوا تصوراً مسبقاً عنه، وهذه سنة معرفية وجدت قبل المنطق الأرسطي. لكن العجيب هو هروب علماء النفس الحديث من حقائق حاولوا إنكارها، لأنهم اعتبروها تعبيرًا عن حقائق دينية رفضوا أن تكون متعايشة أو جزء من حقائق العلم الحديث. أيها القارئ الكريم، الحقائق النفسية والسلوكية والمعرفية واحدة، لكن التعبير عنها يختلف من عصر لآخر. بل قد نجد أن تعبير القدماء وتوصيفهم للجهاز النفسي البشري، أدقُّ مما وصفته كتب علم النفس الحديث، وهذا لأن القدماء نظروا للإنسان ككل، جسدٌ ورح، أم المحدثون فنظروا إليه نظرة مجتزأة، تلغي الروح وتقدس الجسد.
الرسالة الرابعة: ( بين "ابن خلدون" و"المحاسبي" وشيفرة علم النفس الاجتماعي)
يقال: "الإنسان ابن بيئته"، نعم، كلام صحيح، لكنه يمثل جزءاً من الحقيقة. الإنسان يتفاعل مع بيئته، فيؤثر ويتأثر. فالذي يصنع الفارق، هو مقدار البناء النفسي السليم للإنسان، وكذا سنده الروحي. فالإنسان يسير في الحياة فاعلًا ومتفاعلًا، يستعين في فعله وتفاعله على بعده الروحي وبنائه النفسي. ابن خلدون عاش في بيئة عبثت بها أيدي السياسيين، فدمروا نظمها وشتتوا وحدتها، لكن ابن خلدون بقي ابن خلدون، منافحًا مكافحًا لنصرة ما يؤمن به من أفكار. وقبله المحاسبي، الذي عاش في بيئة عبثت بها أيادي البذخ، والعلو السياسي. فانتشرت المنكرات والانحرافات، لكن المحاسبي، راح يصدح في أجواء هذه البيئة تارة بقلمه، ومرات بصوته، داعيًا الناس للرجوع إلى جادة الصواب الحضاري، الشاكر لأنعم الله بالحمد لا بالمجون والانحراف.
الرسالة الخامسة: (المتصوفة، والمتكلمون، والمحدثون، يهاجمون علم النفس! )
"الإنسان عدو ما يجهل"، أحد قوانين سنن الأنفس. تقول الروايات أن المحاسبي رحمه الله تعالى لم يحضر جنازته سوى أربعة نفر، أو أكثر قليلًا. لما وكيف؟ الرجل رحمه الله تعالى، وهو المحدث والمتكلم والفقيه والمتصوف، لقي معارضة من جميع الأطراف. ليس لمعارضته أو لصدامه معهم، بل لأمر آخر تماماً. المحاسبي وظَّف معارفه المتعددة ضمن نسق تكاملي، حيث جعل الحديث، والكلام، والتصوف، والفقه موجهة لهدف واحد وهو تعديل السلوك بما يرضي الله في الدنيا والآخرة. فعاداه المتكلمون بحجة أنَّه متصوف، وهجره أهل الحديث لكونه متكلمًا ومتصوفاً، ونهى المتصوفة عن صحبته لأنه يخلط التصوف بالكلام. فتفرقت دماء المحاسبي المعرفية بين قبائل أهل المعارف المتشظية. فعاداه الجميع، لجهلهم بمنهجه وطريقة تفكيره.
الرسالة السادسة: (بين المحاسبي والغزالي وسجال مدافعة الواقع أو الاعتزال)
قانون آخر من قوانين سنن الأنفس، "عندما تواجه تحدياً أو ظروفاً ضاغطة: فواجه أو لذ بالفرار Fight or Flight". هذا القانون كان ولا يزال حاكمًا في مسار حياة الكثير من العلماء والمصلحين. عندما واجه الغزالي واقعه، وجد نفسه مضطراً للعزلة والانسحاب من المجتمع. وهي أحد طرائق بناء الشخصية الفاعلة، ويسمي Arnold Toynbee (1889-1975) هذا الأسلوب بــــــ "الانسحاب والرجوع Withdrawal & Return). أما الأسلوب الثاني فهو أسلوب القتال و المواجهة، وهو الأسلوب الذي انتهجه المحاسبي رحمه الله تعالى. هذا الطريق الصعب الذي يجعل الإنسان يعيش على حافة الخطر، فإما أن ينتصر بمبادئه وأفكاره، أو ينحدر في مهاوي الهلاك، هذه الشخصية سماها "روبرت بارك Robert Park (1901-1975) بالشخصية الحدِّية. فهذا حال أصحاب المشاريع والأفكار الإصلاحية الكبرى، "منسحب وراجع بعد حين" أو "مكافح محارب" على حافة المخاطر والمهالك. فكن أحدهما ولا تكن ثالثًا فتهلك.
الرسالة السابعة: (معرفة النفس وتحليلها بين فرويد والمحاسبي)
لطالما تغنى الفلاسفة والمتصوفة بمقولة مفادها: (من عرف نفسه عرف ربَّه)، وفي رواية أخرى: (عرف ربَّه من عرف نفسه)، وهي مقولة صحيحة، لكنها ستوصلك لمنتصف الطريق فقط. لكن الحقيقة التي وجدناها عند أرباب المعرفة الحقة، ونحسب "المحاسبي" أحدهم -والله حسيبه-، هي أن "اسم الله عزَّ وجل" هو المتغيّر الذي يصنع الفارق. لقد عرف الأنفس الكثير ممن يلقبون بـــــــ "علماء النفس"، ودرس علم النفس مليونًا من الطلاب، لكننا نجد الكثير من أرباب هذا العلم هم أكثر الناس دعوة للابتعاد عن كل ما له علاقة بالله الخالق سبحانه. بل نجدهم يدَّعون أن أهم قانون يساعد الإنسان في التحكم في هذا العلم هو ابتعاده عن كل ما هو ديني ! أيها القارئ الكريم، الحقيقة هي أنه القانون السابق يجب أن يدوَّن على النحو التالي: (من عرف ربَّه عرف نفسه) أو برواية أخرى: (من عرف نفسه باسم الله، عرف ربَّه حقًا). ففرويد عندما عرف نفسه وحللها بعيدًا عن حقائق الدين، ضاع وأضاع. لكن المحاسبي لمَّا عرف ربَّه، وعرف نفسه على ضوء معرفة ربّه هدى واهتدى.
الرسالة الثامنة: (ماذا نصلح أو لاً، القلب أم العقل؟)
يتساءل الكثير من الناس، هل يبدأ الإنسان خلال عملية الإصلاح النفسي والتربية الذاتية بـــــ "إصلاح القلب" أو "إصلاح العقل"؟ يرى المحاسبي ومن نحى نحوه أن للقلب والعقل مكانة خاصة في ميزان الشرع. فلا يجب إهمال أحدهما على حساب الآخر. لكن عملية الإصلاح لا تكون فاعلة ومنتجة إلا من خلال "البراغماتية السلوكية"، وهي أن تَعمد إلى العناية بقلبك وعقلك من خلال السيطرة على سلوكك. حركة العقل ومسالك القلب أمور لا يمكن للإنسان التعامل معها مباشرة إلا من خلال سلوكاته اليومية. أدِّ زكاتك، وصلِّ صلاتك، وحسِّن أخلاقك، وراقب في كل ذلك مرضاة ربِّك، وستجد بعد حين أن القلب والعقل قد صارا طائعين منيبين قانتين للخالق. واقرأ إن شئت حديث رسول الله ﷺ: ( لا يَسْتَقيمُ إِيمانُ عبدٍ حتَّى يَستَقيمَ قلبُه، ولا يَسْتَقيمُ قلبُه حتَّى يَستَقيمَ لسانُه، ولا يدخُلُ الجنَّةَ رجُلٌ لا يَأْمَنُ جارُه بَوائِقَه).
الرسالة التاسعة: (بين الفكرة والخاطرة: السلوك البشري والمنظورين الغربي والإسلامي لعلم النفس)
ما هو مبدأ السلوك ومنطلقه؟ غاص علم النفس الحديث في تحليل السلوك ومنطلقاته، فخلص في نهاية أبحاثه إلى أنَّ أعمق نقطة يمكن اعتبارها منطلق السلوك هي "الفكرة". فهل الفكرة هي المنطلق الأول للسلوك حقاً كما يرى علم النفس بمنظوره الغربي؟ نعم هذا كلامٌ صحيح مع تعديل إضافي هام. حيث يتدخل المنظور الإسلامي لعلم النفس حيث يعتبر أن هناك عوالم روحية يجب أن توضع في المعادلة السلوكية الكلية حتى تكتمل الصورة. فهناك نفسٌ، وشيطانً، وملك. فالنفس والشيطان يولدان في الإنسان شعور الحركة من خلال الوساوس، والملك يولد في العبد شعور فعل الخيرات من خلال إلهاماته. وكل الإلهامات والوساوس تشكل ما يسمى في علم النفس بمنظوره الإسلامي بــــ "الخاطرة". لذلك اعتبر المحاسبي مؤسس علم الوساوس والخطرات.
الرسالة العاشرة: (بين التأمل والتدبر: قصة حضارتين وثقافتين)
عندما تشبع العالم الغربي بالفلسفة المادية فكرًا وسلوكاً، تاقت تلك النسمة الربانية التي ضاعت في تفاصيل المادة للمسة معنوية تعيد لها نشاطها وتجدد حياتها. فتوجه الإنسان الغربي شرقًا، إلى بلاد الهندوس والبوذية. وجعلوا من منهج التأمل مصدر علاجٍ وإحياء روحي. وتبعهم بعض المسلمين للأسف، ممن جعلوا الغرب معيار الحقيقة المطلقة والمميز بين الطيب والخبيث. وجهل هؤلاء وأولئك أنّ التأمل أو ما أصبح يطلق عليه "Mindfulness" في السياق النفسي، ما هو إلا مرحلة أولى من مراحل إنعاش الروح في الثقافة الإسلامية. فالتأمل "Meditation"  بمنظوره الشرقي، هو أن يعيش الإنسان اللحظة، ويغيب فيها، دون الخروج منها أو عنها قيد أنملة. لكن الإسلام يدعو أهله ومن أراد مشاركتهم، للسفر الفكري والشعوري، والارتحال من خلال التأمل، إلى التفكر "Contemplation"، حيث تنتقل من المخلوق إلى الخالق، ومن الجمال إلى صانع الجمال فتبجِّله وتسبِّحه، ولن يتوقف بك المقام في هذا الحد، بل يدعو إلى الانتقال إلى مقام "التدبر Reflection" وهو أن ترحل من مقام معرفة الخالق إلى ما يتوجب عليك فعله تجاه خالقك ومخلوقاته. فتنتقل من الفكر إلى العمل، من خلال رحلة تعيد من خلالها إعادة توجيه بوصلتك الشعورية والفكرية والسلوكية.
هذه عشر رسائل من وحي كتب فيلسوف العقل، ومؤسس علم الوساوس والخطرات، الحارث بن أسد المحاسبي، ونترك تفاصيل الأفكار والتغيير وبناء الحياة في ثنايا كتابنا (9 خطوات تغير بها حياتك: منهج المحاسبي لتعديل السلوك)، فبادر بقراءته وستجد الخير بإذن الله تعالى.