وقفنا في كتاب "الحضارة - وكيف هيمنت حضارة الغرب" لدانيال فرغسون على سبعة مقوّمات لهيمنة حضارة الغرب على العالم أجمع. وهنا أسأل: هل يمكن لهذه المقوّمات السبعة، أو لبعضها، أن تتجسّد في نموذج مؤسسي أصغر مثل نموذج الفرد أو نموذج العائلة أو نموذج الحي؟ إن الراجح أنّه من الممكن أن تتحقق هذه المؤسسات الصغيرة بدرجات مختلفة، مستفيدة من بعض هذه المقوّمات.
ونستذكر بسرعة هذه المقومات، وهي: (المنافسة، والثورة العلمية، وحكم القانون، والملكية الخاصة، والطب الحديث، والمجتمع الاستهلاكي، وأخلاقيات العمل).
في الحقيقة، إن جزءًا من هذه المقومات بدأ يتحقق في مؤسسات صغيرة كالعائلة، قبل أن يصبح ثقافة عامة ممتدة، ويتحول إلى عنصر حضاري كبير يؤثر في نشأة الإمبراطوريات.
فلو أخذنا "أخلاقيات العمل"، التي تؤكد أن العمل عبادة، وأن الادخار وتراكم الأموال عبادة كذلك، لوجدنا أن هذه الأخلاقيات قامت بها بعض العائلات أولًا وليست المؤسسات الكبيرة؛ فلقد توجهت هِمَّة العائلة إلى العمل بجد، والادخار، ومراقبة الأموال، وتشغيلها، واستثمارها بدلًا من إنفاقها وإضاعتها جميعًا، فظهرت ثقافة الادخار عند العائلات قبل أن تتحول إلى ثقافة عامة.
وكذلك الثورة العلمية، والاستفادة من التقنيات الجديدة وإبداعها، فلقد ظهرت هذه الاختراعات والاكتشافات على يد أفراد وليست مؤسسات، ثم شاع هذا الجو العلمي مع الزمن. ومع ظهور فائدة هذه الإبداعات فُتح الباب لتوفير التمويل والاستثمارات والتسويق، والنموذج العلمي هو البارز اليوم في العالم؛ فقد أصبح الفضاء العلمي مفتوحًا ومتاحًا للجميع، ولكل من أراد أن يتعلم مهارة، أو صناعة، أو لغة، أو وظيفة.
وحتى نموذج الاستهلاك، فهو الذي يتضمن الفرص والمسوغات والمعززات للعمل والإنتاج. وهذا النموذج متواجد في العائلات والأعمال الصغيرة، كما هو موجود في التجارة العالمية الكبيرة. ومن هنا نستطيع أن نقرأ كتاب فرغسون باعتباره مُلهِمًا للجميع، وليس وقفًا على الحضارات الكبيرة فقط، فللجميع أن يستفيد من هذه العناصر والمقومات بنسب مختلفة، بحسب توفر البيئة والهِمّة والإرادة.
ويتم تطبيق هذه الخطة من خلال مراحل:
خطوات فورية للعمل |
|
1 |
تجلس العائلة للمناقشة واختيار المنتَج المناسب (كيك، مربى، طبخ، ملابس أطفال، مصنوعات يدوية كالتحف، مستلزمات أطفال للمناسبات) |
2 |
صمم عبوة أو صندوق بسيط عليه اسم العائلة أو اسم المشروع |
3 |
أنشئ حسابا على انستغرام أو تيك توك، وانشر صور المنتَج ومراحل إنتاجه |
4 |
سَعِّر المنتَج بطريقة تحقق إلى جانب التكلفة ربحا بسيطا |
5 |
اطلب من عشرة أشخاص من المقربين شراء هذا المنتَج وتجربته وإبداء ملاحظاتهم عنه |
6 |
طَوِّر المنتَج بحسب الملاحظات وابدأ بالبيع للجمهور |
قد يظن البعض أن نهوض الأمم، والأمة الغربية خاصة، وهيمنتها أمر بعيد عن تصور وضع خطة عمل للعائلة أو الفرد، وتصنيع منتج وبيعه. ولكن عند تحليل الظاهرة الغربية سوف يظهر أن الخيوط الأولى والأساسية لهذه الأقدام الصلبة التي صنعها الغرب ووطأ بها أقاليم العالم أجمع كانت المنتجات والأعمال البسيطة العائلية التي تطورت، والتي ركزت على أربع قيم هي: العمل الجاد، والادخار وإعادة استثمار المال، والابتكار، والتركيز على الجودة.
2- الابتكار أو الموت؛ فكل عائلة أحدثت ثورة في مجالها.
3- إعادة استثمار الأرباح؛ فقد كانت عائلات مشهورة بالادخار الشديد وإعادة استثمار كل أرباحها لتوسيع الأعمال.
4- المرونة الاستراتيجية؛ فقد كانوا يتكيفون مع تغيرات السوق والتحول إلى مجالات أخرى.
5- القيادة القوية؛ فلا بد من وجود قائد عائلي ملهم ومصمم يُعَدّ المحرك الأساسي للنمو.