يلعب العنوان دوراً مهماً للترغيب في الكتاب، والحث على اقتنائه أو قراءته. ويهتم الأكاديميون بدقة العنوان، باعتباره الدليل لمضمونه حتى إنهم يقضون وقتاً مهماً في مناقشته لغرض الإقرار. لكن المشتغلين في مجال الثقافة العامة كالأدباء والكتّاب والروائيين والصحافيين المحترفين يستخدمون طرقاً أخرى كما فعل علي حسين، في هذا الكتاب الذي وضع عنوانه بصيغة سؤال: لماذا نقرأ الكتب المملة؟ الصادر عن دار المدى العراقية عام 2024.
ما أنْ نشرع بقراءة هذا الكتاب حتى يظهر لنا بوضوح أننا إزاء كتب «مهمة» وليست «مملة» فمن يملك القدرة والاستعداد لوصف كتاب النظرية النسبية لألبرت أينشتاين بأنه كتاب ممل! ومن يصف كتب إيمانويل كانط ومن أبرزها، «نقد العقل المجرد» بأنها مملة، وهي التي أحدثت ولا تزال تحدث تأثيراً عظيماً في الفكر التنويري الإنساني الحديث! وكذلك الحال في ما يتعلق برأس المال لكارل ماركس وأعمال هيغل وسارتر وروايات تولستوي والفلاسفة الإغريق ومارسيل بروست وكانط وشوبنهاور وكيرغارد وهايدغر وفرجينيا وولف وول ديورانت وآدم سميث وجون ديوي وكافكا، إلخ من الأسماء الكبيرة لكتب عظيمة. سيكون صعباً إحصاء الأسماء الكثيرة التي تزاحمت في متن هذا الكتاب الذي يقع في 230 صفحة، والتي قدمت بمنجزهت الفكري وما تميزت به، مما صنع سمعتها وشهرتها.
وفيما يفعل ذلك فإنّ الكاتب يشرك شخصيات أكاديمية وأدبية رفيعة يعرفها قراؤه ومتابعوه، كما علي جواد الطاهر والروائي فؤاد التكرلي، الذي التقط ولعه وحيرته ليهدئ مشاعره. ليس مطلوباً من مقتني الكتب أو قرائها، يقول التكرلي، أنْ يقرأوها أو يستمتعوا بها ـ لكنهم يمسكون بها، ويبحثون عنها لأنها تركت أثراً في «مسيرة الفكر البشري». إنها كتب تشق طريقها لتصل أسماعنا وأفهامنا وسيكون من المحرج ألا نلم بها ونتعرف عليها بطريقة ما. ويستشهد برأي فيرجينيا وولف التي تقرن القراءة بالحب. كلاهما لا يستنسخان أو يقلدان، ولا يتبعان قواعد يمكن دراستها. تقول في ما يتعلق بالقراءة: إياك أنْ تأخذ بنصيحة أحد، فالقراءة وما يتبعها من قدرة على الكتابة فعل لا يتكرر، ويحمل بصمات صانعه، وإلا فإنه عنوان فاشل لن يدوم طويلاً، تختتم وولف.
ما أنْ تحل هذا الإشكال، وترى أنك أمام سلسلة من الكتب التي فاقت أهميتها الكثير مما أنتجه وأبدعه العقل البشري، حتى تمضي لترى جوهرية هذه الكتب، وتشكر جهد من عمل على ترجمتها وتقديمها للقارئ العربي، وصولاً لقارئ منظم ودؤوب وصبور، يحملها مؤطراً إياها بالتمكن منها والتعمق في التقاط مضامينها الواسعة.
لماذا نقرأ الكتب المملة
البحث
آخر الأخبار