نستكمل في هذا المقال توجهات مجموعة من المفكرين والدعاة وكذلك الحركات الإسلامية المعاصرة، في تقديم بعض الصيغ التي يرونها تناسب المرحلة التاريخية التي تمر بها الأمة بعد سقوط الخلافة، واستخلاص رؤاهم في شكل وصورة الخلافة المنتظرة التي سيجتمع تحت ظلها العالم الإسلامي.
إلغاء الحدود الجغرافية
إذا رصدنا موقف ورؤية أكبر جماعة إسلامية في العصر الحديث؛ وهي جماعة الإخوان المسلمين، وإذا اعتبرنا الخطاب الفكري لمؤسسها الشهيد حسن البنا معبِّراً عنها، فإن موقفها واضح بإزاء وحدة المسلمين السياسية، فقد حددت «رسالة المؤتمر الخامس» هذا الموقف بوضوح، الداعي إلى المسارعة بإلغاء الحدود الجغرافية بين المسلمين، والعمل على تهيئة الظروف المحلية، من أجل تحقيق الوحدة الإسلامية الشاملة.
ومن البنود الواردة في هذه الرسالة -أي «رسالة المؤتمر الخامس»- نقرأ ما يلي: «إنّ الإسلام لا يعترف بالحدود الجغرافية، ويعتبر المسلمين جميعاً أمة واحدة، ويَعتبر الوطن الإسلامي وطناً واحداً مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده، إن الإخوان المسلمين يقدسون هذه الوحدة ويؤمنون بهذه الجامعة، ويعملون لجمع كلمة المسلمين وإعزاز أخوّة الإسلام، وينادون بأن وطنهم هو كلّ شبر من أرض مسلم يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله».
ويستتلي البنا، في رده على مَن لا يؤمنون برابطة الجامعة الإسلامية، ويقدمون عليها الرابطة القومية، قائلاً: «يقول بعض الناس: إن ذلك -أي الجامعة الإسلامية- يناقض تيار الفكرة السائدة في العالم، فكرة التعصب للأجناس والألوان، والعالم الآن تجرفه موجة القوميات الجنسية، فكيف تقفون أمام هذا التيار وكيف تخرجون على ما اتفق عليه الناس؟ وجواب ذلك أن الناس يُخطئون، وأن نتائج خطئهم في ذلك ظاهرة ملموسة في إقلاق راحة الأمم وتعذيب ضمائر الشعوب مما لا يحتاج إلى برهان، وليست مهمة الطبيب أن يجاري المرضى، ولكن أن يعالجهم، وأن يهديهم سواء السبيل، وتلك مهمة الإسلام ومَن وصل دعوته بالإسلام».
ولا يكتفي البنا بهذا الموقف الواضح الجلي، بل يواصل الرد الهادف إلى الإقناع بوحدة الأمة وتقديم جامعتها على أي رابطة أخرى، فيقول: «ويقول آخرون: إن ذلك غير ممكن، والعمل له عبث لا طائل تحته، ومجهود لا فائدة منه، وخيرٌ للذين يعملون لهذه الجامعة أن يعملوا لأقوامهم، ويخدموا أوطانهم الخاصة بجهودهم، والجواب على هذا أن هذه لغة الضَّعف والاستكانة، فقد كانت هذه الأمم مفرقة من قبلُ متخالفة في كلّ شيء، في الدين واللغة، والمشاعر والآمال والآلام، فوحّدها الإسلام وجمع قلوبها على كلمة سواء، وما زال الإسلام كما هو بحدوده وبرسومه، فإذا وجد من أبنائه من ينهض بعبء الدعوة إليه وتجديده في نفوس المسلمين، فإنه يجمع هذه الأمم جميعاً من جديد، كما جمعها من قديم، والإعادة أهون من الابتداء، والتجربة أصدق دليل على الإمكان»(1).
الانصهار في تكتل إسلامي