دراسة مواقف القادة في التاريخ الإسلامي تفتح لنا آفاقاً جديدة لتطوير علم القيادة؛ فسيرة كل قائد يمكن أن تقدم لنا درساً مهماً يسهم في إعداد القيادات، وتأهيلها لبناء المستقبل.
وسيرة الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضي الله عنه تؤكد لنا أن القائد يمكن أن يقوم خلال فترة قصيرة في حياته بدور مهم يضيء للأمة الطريق، بينما يعيش الكثيرون زمناً طويلاً لا يتركون فيه أثراً، ولا يذكرهم التاريخ، لذلك يمكن أن يقوم الإنسان بعملٍ يشكّل للأمة نصراً، ويؤكد أن التمسك بالمبادئ وتطبيقها أهم مصادر القوة في لحظة تحتاج فيها الأمة لقيادة أصيلة قوية.
لذلك، يمكن أن نقدم لشبابنا جوانب من سيرة سيدنا سعد بن معاذ توضح لهم كيف يواجه القائد التحديات، ويبني رؤيته، وينطلق في الحياة بإيمانه قوياً عزيزاً، ويتخذ أصعب القرارات.
أصالة القائد والبحث عن الحقيقة
توضح قصة إسلام سعد بن معاذ أن القائد الأصيل يبحث عن الحقيقة بعقله وقلبه وخياله، ويلتزم عندما يعلم، ويضحي بكل ما يملك من أجل المبادئ التي يؤمن بها، فقد كان سعد سيد الأوس، وله مكانة مهمة في المدينة، وهو القدوة التي يتطلع لها الجميع.
لذلك كان إسلامه بداية مرحلة جديدة للدعوة الإسلامية في المدينة، فبمجرد أن أسلم؛ توجه إلى قومه قائلاً: يا بني الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا، قال: فإنَّ كلام رجالكم ونسائكم عليَّ حرامٌ حتى تؤمنوا بالله ورسوله؛ فما كان المساء حتى أسلموا جميعاً، وأصبحت دار سعد مقر الدعوة الإسلامية.
وهكذا ازداد الإسلام قوة بإسلام سعد، وانتشر في المدينة، فلم يبقَ فيها بيتٌ إلَّا ودخله الإسلام، وقد كان إسلام سعد بن معاذ نصراً كبيراً للإسلام وفتحاً مبيناً، وأشرقت شمس الإسلام في المدينة بإسلامه حتى أنارت قلوب الكثيرين، ثمَّ ظهر دور قبيلة بني عبد الأشهل لمَّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فاستقبلوا المهاجرين وقاسموهم أموالهم وممتلكاتهم.
وكانت قوة إيمان سعد تتجلى في دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وصوله إلى المدينة، فلم يكن يجرؤ كافر على أن يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء خوفاً من سعد، الذي كان شديد الحبّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
في غزوة «بدر»