الإمداد الرباني في مجابهة الإذلال الشيطاني

الإمداد الرباني في مجابهة الإذلال الشيطاني
في مشهدٍ تداعت الأكلةُ إلى قصعتها يا رسول الله: يتراءى لي أمتك وأتباعك وأحبابك من بعدك، وقد أجهز عليهم حبُّ الدنيا ومتعها الزائلة، وعلى حين غفلةٍ منهم كبّلهم الخورُ والهوانُ والوهن!
فاستدعى الناسُ المصلحينَ أن ذودوا عن حياضِ نبيّنا ونبيّكم، واحموا عرضه، واحموا سمعته، وانصروا منهجه، وشريعته، وتعاليمه، فتقدّموا وعينُ الله تحرسكم، تُسدّد قولتكم وتُصوّب بوصلتكم.
معلنين:
"وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا"
أرضيتَ يا رسول الله؟
أرضيتَ يا إمامَ المصلحين؟
أرضيتَ يا إمامَ المتقين؟
أرضيتَ يا إمامَ المؤمنين؟
لقد قالوها:
"آن أوان أن تعرف الناس كل الناس، منهجك وتعاليمك،
آن أوان أن نأخذ بأيدي الناس إلى هناك، حيث دار الأرقم بن أبي الأرقم، لننهل من معين نبعك الصافيّ!"
سيّدي يا رسول الله: سنعرّف الناسَ بصرحك العلميّ الراسخ، منه تخرّج العظماءُ الكرامُ؛ أبو بكر الصدّيق، وعمر، وعثمان، وعليّ، وريحانتاك وسبطاك الحسن والحسين "سيّدا شباب أهل الجنة"، وبلال الحبشيّ، وصهيب، ومصعب، والخبّاب، وابن مسعود، وابن عمرو، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم من عمالقة الفكرة، عظماء السيرة والمسيرة؛ إذ كان أحدهم عصيًّا على التجهيل، عصيًّا على الشبهات في مهدها، عصيًّا على التشرذم والفرقة، عصيًّا على التوهان، عصيًّا على الهذيان، عصيًّا على الخذلان، عصيًّا على الانبطاح، فأسّسوا صرحًا مميّزًا بوحدة المصدر (القرآن)، واتباع المعلّم (السنّة).
فكانت مدرسةُ الأرقم
صرحًا لمحمد صلى الله عليه وسلم
وأتباعِ محمد صلى الله عليه وسلم
وأحبابِ محمد صلى الله عليه وسلم
ومن جاء بعدهم إلى لحظتنا هذه!
وأنت فيها ومعها يا أيها القارئ السامع المبصر...
وقد حُصّنت قلعتُك بقول ربنا عز وجل:
{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.
وقد حُصّن فكرك بقول ربنا:
"وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا".
وقد حُصّن قلبك بقولِ ربنا عزّ وجلّ:
"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)".
هذه الآيات وغيرها الكثير كانت بمثابة وجباتٍ تحصينيةٍ مناعيّةٍ تُسكب في عقول وقلوب أحباب محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يضرّها الانسلاخ عن الثوابت.
هلا سمعتَ: إياك، إياك...
إياك يا صاح، أن تُقحم نفسك بدعوى الفضول لتستمع لبذاءاتهم الفكرية أو مواقفهم الهزيلة الواهنة...
والواجبات أكثر من الأوقات، وهيهاتَ هيهاتَ تكفي أوقاتنا لانشغالنا بالخير وبالمحتوى الأسمى والأجلّ والأعلى...
فلا نسلِم رقابنا ولا عقولنا ولا إراداتنا لأدعياء المعرفة ليعرّفونا ديننا...
هيهاتَ هيهاتَ أن تُضيَّع الأوقات بين صدٍّ وردٍّ... وردٍّ وصدٍّ...
كثير من الشبهات، كثير من الهرطقات، يُقابلها كثير من القرآن وغذاؤه وسقاؤه،
فانهلوا من القرآن تلاوةً... وانهلوا من القرآن تدبّرًا... وانهلوا من القرآن عملًا...
إنه القرآن الذي جعل من محمدٍ العربيّ الرجلِ الأميّ، خاتمَ الأنبياء والمرسلين، إمامَ المتقين والمؤمنين!
إنه القرآنُ الذي أخرج العربَ من ظلامِ الجاهليةِ إلى نورِ الإسلام!
إنها ترتيل "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى" التي جعلت من عمر بن الخطاب جبّارِ الجاهلية عملاقَ الإسلام!
إنه ترتيل "قل هو الله أحد" الذي جعل من الطفيل بن عمرو الدوسيّ يُزيل الكرسف من أذنيه فيُلقي السمع فيتفتح قلبه للإيمان بها، فيعود بوفد دوسٍ تُسلِم القيادةَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم!
إنه القرآن الذي أسلم به النجاشيّ فور سماعه لترتيل سورة مريم.
فالإمداد الإمداد... والاستعداد الاستعداد...
بالقرآن، والقرآن، والقرآن...
ذاك كتابُ هدايةٍ للبشرية،
كتابُ التعاليم الراقية،
والنظريات الإيمانية العميقة،
والقصص التي تُليت للعبرة،
والواجبات العملية...
ممتثلين قول مولانا عز وجل:
"وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة/105).
ثم لا تُخيفنا جوقتهم، ما دمنا نرتّل:
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).