التفكير الفلسفي للجميع تعليم الفلسفة بفعالية في المدارس الثانوية

التصنيف

المقالات

التاريخ

05/01/2024

عدد المشاهدات

934

يواجه مدرّس الفلسفة في تعليم الفلسفة، مجموعة من المفارقات تنتج عن صعوبة التوفيق بين قطبين أساسين هما:

-     التفكير الفلسفي، كما أُبدع وتجلّى عبر تاريخ الفلسفة.

-   إمكانية تحويل الفلسفة إلى مادة مُمأسسة يمكن تدريسها، وما يقتضيه هذا الأمر من إجراءات بيداغوجية وديداكتيكية.

فنون الاستفهام والتفكير النقدي:

ما هي أدوار الفلسفة في المجهودات التربوية والمؤسسية في تشكيل واستنبات حسٍ نقديٍ لدى الناشئة وفي الفكر العربي عامة؟

الفلسفة والحاجة إلى استنبات الفكر النقدي:

يُنظر إلى الفلسفة على أنها عالمٌ مثير وعميق، ويثير الكثير من التساؤلات حول معناها وقيمتها. فالفلسفة تدخلنا في عالم الأفكار وتوقد الاستفهامات العميقة، وتأخذنا في رحلةٍ لفهم الحياة والوجود بشكل أفضل، فهل يمكن تعليم الفلسفة؟

إن تعريف الفلسفة يمكن أن يكون تحدياً، فهي تتنوع في مذاهبها ومفاهيمها، فكيف يكون التساؤل عن إمكانية تدريس هذا النوع من التفكير الذي يصعب تعريفه؟

يتساءل البعض عن قيمة الفلسفة ولماذا يجب دراستها، وهنا يأتي دور أستاذ الفلسفة لمراجعة هذا الفن العقلي العميق، وفي هذه المراجعة سنسلط الضوء على كيفية قراءة الفلسفة ونطّلع على الطرق الفعّالة لمراجعتها في سياق تدريس الفلسفة في صفوف الثالث الثانوي "البكالوريا"، حيث سنتعرف على مواقف الفلاسفة والنظر في إمكانية تعليم الفلسفة، وكيف يمكن لهذه المادة أن تثري حياتنا وتفتح أبواب التفكير النقدي.

مدرّس الفلسفة بالنهاية هو المعني بتحقيق أهداف مأسسة الفلسفة، وهنا تبدأ المشاكل وتتزاحم المفارقات؛ فإلى أيّ حد يمكن الاستفادة من مواقف الفلاسفة أنفسهم حول تعليم الفلسفة، وكثير منهم قام بتدريسها، بل وكتب ونظّر في الموضوع مثل كانط وهيجل ونيتشه وهيدجر ودريدا وآخرين، إضافة إلى الاستفادة من مفكري ومنظري البيداغوجيا من أمثال فرانس رولان وفريديريك كوسيطا وهنري بينا رويز..وأخيراً ميشال طوزي ومَنْ معه؟

 كيف يجمع مدرس الفلسفة وظيفياً بين الخطاب الفلسفي حول تدريس الفلسفة، وخطاب العلوم البيداغوجية؟ هل للفلسفة بيداغوجيتها أم تنفتح على مستجدات العلوم البيداغوجية؟

إن المواقف الفلسفية بخصوص تدريس الفلسفة مردّه إلى الخلاف في التأويل بغية السيادة وليس التكذيب:

- الموقف الهيجيلي المخالف للموقف الكانطي.

-  موقف هيدجر مقارنة مع نيتشه.

وهذا النقاش لا يزال مستمراً إلى اليوم في مواقف دريدا وسبونفيل ولوك فيري وميشال أونفراي... وإذا ما أخذنا بالاعتبار مقولة سقراط في عبارته الشهيرة " اعرف نفسك بنفسك" والتي تختزن هدفاً "بيداغوجياً" وهو أن التفلسف لا يتحقق إلا إذا مورس بكيفية ذاتية، تصبح المهمة صعبة حيث تبرز مفارقات التناقض بين الفلسفة والعلم البيداغوجي في ساحة التعلّم والتعليم، في أفق الوعي بالمشكل وتجاوز مفارقاته لحظة بناء الدرس الفلسفي:

● من بين رهانات بيداغوجيا الكفايات تحقيق نتائج مباشرة تُفضي إلى النجاح، وذلك من خلال تطبيق ما تعلّمه المتعلم من معارف (وهل الفلسفة معرفة بالمعنى التقني والمهني) ومهارات في سياقات جديدة.

● كيف يتم أجرأة هذه الغايات وتقويمها في الدرس الفلسفي في أفق تحقيقها في الممارسة؟ وكم من الزمن تقتضيه هذه الغايات حتى تُصبح جزءاً حيوياً من ثقافة المُتعلّم؟ وهل ينتهي الفعل الفلسفي على مشارف الامتحان الوطني للباكلوريا أم الفلسفة "كطريقة خاصة في التفكير" كما قال هيجل، هي مشروع وجودي سيرافق المتعلم طيلة حياته مهما كانت اختياراته المهنية؟

● وميشال طوزي (عرّاب بيداغوجيا الكفايات) يتخوّف من تحويل تدريس الفلسفة بالاهتمام بعملية الإنتاج على حساب المنتوج، وإهمال قيم الحقيقة باسم أولوية الذات المتعلمة.

ولكن الفلسفة مُضيٌ في الطريق كما قال هيدجر، وترحال لاستكشاف الممكن عبر الاندهاش والشك والسؤال والتساؤل والنقد ومن ثمة هدم البداهات...هل يمكن تحقيق تلك الأهداف من خلال تمارين    وأشكال للتقويم؟

لم يعد الأستاذ محور العملية التربوية كما كان ذلك في السابق إنما أصبحت تلك العملية تتركز على دور متفاعل بين أقطاب ثلاثة: الطالب والمنهج التربوي والأستاذ، والهدف من ذلك: تمكين المتعلم من اكتساب الكفايات المطلوبة.

ودور الأستاذ هو تفعيل وتنمية عمليات الخلق والإبداع والابتكار والاجتهاد، ولكي يسهم في كسر الجمود والروتين الذي قد يتولد مع الأيام.

  ويؤكد كانط على أن الغاية من تدريس الفلسفة هو: " أن يجرؤ كل تلميذ على التفكير اعتماداً على ذاته، لذا على المعلم أن يكون:

- ملماً بأساليب التنشيط الفعالة وبدينامية الجماعات.

- ملماً بالكفايات المحددة ضمن المنهاج الدراسي والقدرات التي تتفرع عنها .

لم يعد الغرض من التعليم هدفه نقل المعرفة بل تعداه إلى تنمية المهارات الفكرية والسوسيو - عاطفية والحس – حركية، وهو ما يعني مساعدة المتعلمين على تحصيل كفايات تكون في خدمتهم طوال حياتهم.

بناء على ذلك، وانطلاقاً من بيداغوجيا الكفايات أصبح من واجب أستاذ المادة أن يتمتع بنظرة أكثر شمولية فيما يقترحه من طرائق مناسبة لتقديم درس ما.

قيم الإنسانية واختبار القوة القراءة الفاعلة في العصر الرقمي