متلازمة غزة ومعادلة إنسانية المقاومة

التصنيف

المقالات

التاريخ

01/12/2023

عدد المشاهدات

1544

1- متلازمة ستوكهولم (‏Stockholm Syndrome)

أثناء وبعد عملية تبادل الأسرى التي تمت بين المقاومة الإسلامية في غزة «حماس» والحكومة الإسرائيلية، ظهرت العديد من التفاعلات الإنسانية بين الأسرى الإسرائيلين من مختلف الفئات العمرية وأفراد المقاومة المرافقين لهم. حيث أظهر الأسرى تفاعلاً عاطفياً-اجتماعياً إيجابياً جداً. هذه التفاعلات النفس-عاطفية بين "المختَطَفين" و "الخاطفين"، جعلت كثيراً من الناس يبحثون لها عن تفسير. لذلك نجد أن بعض المختصين في علم النفس اعتمدوا على ظاهرة نفسية يصطلح عليها بــ (متلازمة ستوكهولم ‏Stockholm Syndrome) أو "رابطة الأَسْر أو الخطف". وتُعْرَف هذه الظاهرة النفسية بأنها تعاطف أو تعاون الإنسان مع عدوه، أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو إظهار بعض علامات الانسجام والمشاعر الإيجابية والولاء من المُختَطَف تجاه الخاطف أو الآسر، حيث قد تصل هذه المماهات والتعاطف لدرجة الدفاع عن الخاطف أو الآسر، والتضامن معه. فهو بهذا ترابطٌ عاطفيٌ قويٌ يتكون بين شخصين؛ أحدهما يضايق الآخر، ويعتدي عليه، ويهدده، ويضربه، ويخيفه بشكل متقطع ومتناوب.

 هذه المشاعر بشكل عام، يعتبرها علماء النفس إدراكات غَيْر منطقية ولا عقلانية. هذا لأنها تعتبر عدم الإساءة من قبل المعتدي إحساناً ورحمة، ويعتبرها بعض المختصين نوعاً من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة.

لكن من خلال التحليل النفس-معرفي لسيكولوجية الأسرى وتصرفاتهم، وردود أفعالهم تجاه أفراد المقاومة الإسلامية في غزة، يجعلنا نلاحظ أن هناك فارقاً جوهرياً في أسس ظاهرة "متلازمة ستوكهولم" والمعطيات المركبة لما حدث في غزة بين المأسورين والآسرين؛ حيث نلحظ غياب عامل العنف الذي كان مفترضاً من طرف الآسر، وبهذا نجد أن العلاقة بين المأسورين والآسرين كانت طبيعية، ومؤسَّسة على بُعد قِيَمي أخلاقي إنساني.

إذن فإن أحد أهم أركان هذه الظاهرة مفقود من المعادلة، وبناء عليه هل يمكن اعتبار "متلازمة ستوكهولم" آلية صحيحة في قراءة نفسية وسلوكات الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة؟

إذا كانت الإجابة بــ "لا"، فكيف يمكننا في هذه الحالة تفسير ما حصل لهم؟ لذلك نحتاج لقراءة نفسية-معرفية جديدة لهذه الظاهرة وفق آلية جديدة يمكن تسميتها بـــ (متلازمة غزة Gaza Syndrome).

2- متلازمة غزة (Gaza Syndrome)

يمكن تعريف هذه المتلازمة بأنها: "إعادة الشخص ترتيب إدراكاته أو تصحيحها بطريقة إيجابية حول موضوع ما؛ وذلك من خلال المعايشة الواقعية الميدانية له، وهذا بعدما كانت لديه تصورات مسبقة غير واقعية وسلبية حوله"، حيث نجد في حالتنا هذه أن كل الأسرى كان لديهم مجموعة تصورات مسبقة سلبية "جداً وخطيرة" حول حقيقة المقاومة في غزة والطبيعة المعرفية والسلوكية حول أفرادها. لكن بعد معايشة الأسرى الميدانية للمقاومة وأفرادها، انقلبت التصورات "السلبية جداً" إلى تصورات "إيجابية جداً" مناقضة تماماً لما كان عندهم، وبالتالي حصل ما يمكن وصفه بصدمة نفسية إيجابية جعلتهم غير قادرين على إخفاء مظاهر التعاطف والتفاعل الإيجابي مع أفراد المقاومة؛ حيث انتقال العلاقة بين الأسير والآسر، من مجرد كونها علاقة «تعاطف Sympathy » إلى درجة «التقمص العاطفي Empathy»،  أي فهم الأسرى الإسرائيليين لموقف الطرف الآخر -مقاتلي حماس- سواء من الناحية العاطفية أو الفكرية، لدرجة تقمص الأسرى لموقف أفراد المقاومة والغزاويين عموماً، ووضع أنفسهم مكانهم.

3- المميزات الفارقة بين (متلازمة ستوكهولم ‏Stockholm Syndrome) و(متلازمة غزة Gaza Syndrome):

لكل متلازمة أعراض وسلوكية وعاطفية ومعرفية تميّزها عن غيرها، لذلك سنحاول توضيح أهم الفروق بين المتلازمتين من خلال المقارنة بين الأعراض المتفق عليها لــــ"متلازمة ستوكهولم" وما يقابلها من أعراض لــــ "متلازمة غزة"، نلخصها في الجدول المرفق أعلاه.
ما يجب الإشارة إليه في الختام هو أن هذه القراءة المفاهيمية النفسية، ما هي إلا محاولة معرفية جديدة تتطلب المزيد من الدراسة والبحث والتدقيق. وهو الأمر الذي نتركه للباحيثن في المجال النفسي للتعمق والتأصيل المعرفي لها.

طه عبد الرحمن وغزة الطوفان سؤال غزة وجواب الوعي