منذ قرون، يتردّد بيننا سؤال لم يبرح مكانه: "لماذا لا تنهض الأمة الإسلامية؟" وفي كل محاولة للإجابة، نكتشف أن الأسباب أكثر تشابكًا من أن تُختزل في عامل واحد.
لسنا أمة بلا تاريخ، ولا شعوبًا بلا طاقات. لكننا - كما قال مالك بن نبي - "أممٌ توقفت عن إنتاج الأفكار وراحت تستهلك منتجات الغير؛ لا المادة فحسب، بل حتى المعنى."
لسنا أمة بلا تاريخ، ولا شعوبًا بلا طاقات. لكننا - كما قال مالك بن نبي - "أممٌ توقفت عن إنتاج الأفكار وراحت تستهلك منتجات الغير؛ لا المادة فحسب، بل حتى المعنى."
أول الخلل: الانحراف عن جوهر الرسالة
حين يصبح الدين طقسًا بلا روح، وعقيدة بلا حركة، يتحوّل إلى ما يشبه الطلاء الذي يُخفي التآكل الداخلي. لقد حذر محمد إقبال من ذلك حين قال: "الإسلام لا يُختزل في ماضٍ عريق، بل هو نداء دائم لليقظة، ولتحرير الإنسان من الخوف والتقليد."
إن العودة للقرآن هي عودة إلى منهج حياة، حيث التوحيد رؤية تحريرية للكون والإنسان والمجتمع.
إن العودة للقرآن هي عودة إلى منهج حياة، حيث التوحيد رؤية تحريرية للكون والإنسان والمجتمع.
الاستبداد وكسر الإرادة
ما من فكرة عظيمة تنمو تحت الظلم. الاستبداد، كما وصفه عبد الرحمن الكواكبي، هو "أصل كل داء". فهو يقتل الأجساد، ويُخدر العقول، ويجعل الحرية حلمًا ممنوعًا، والإبداع جريمة. وفي ظل الأنظمة القمعية، يتم إقصاء الأحرار، وتلميع الطائعين، حتى تصبح الأمة جسدًا بلا أعصاب.
الجمود الفقهي والكسل الفكري
"كل مجتمع لا يُنتج أفكاره، يُستعمر بأفكار غيره." هكذا قال مالك بن نبي، وكم كان صادقًا. لقد تحوّلت مدارس الفقه في بعض المناطق إلى قلاع مغلقة، تهاب الأسئلة، وتخشى التجديد. بينما يُفترض أن يكون الفقه فنّ الموازنة بين النص والواقع، بين المقاصد والمستجدات.
أما طه عبد الرحمن فكان أكثر حدة حين قال:"نحن لا نعاني من نقص في التدين، بل من فقدان الروح الأخلاقية للتدين."
أما طه عبد الرحمن فكان أكثر حدة حين قال:"نحن لا نعاني من نقص في التدين، بل من فقدان الروح الأخلاقية للتدين."
التمزق الداخلي والتشرذم
أمة ممزقة لا تُقيم نهضة. "لقد تحولت أمتنا إلى فسيفساء من الهويات المتنازعة" كما قال محمد عابد الجابري، وصرنا نُقاتل بعضنا بعضًا دفاعًا عن مذاهب لا تفعل سوى تأبيد الخلاف. نسي البعض أن قوة الأمة كانت دومًا في وحدتها لا في تجانسها، وفي تنوعها لا في تناحرها.
الجهل والتخلف العلمي
قال ابن باديس في أوائل القرن الماضي: "إذا أردت أن تهدم أمة، فابدأ بتعليمها. إن أهملت تعليمها، فقد هدمتها بنفسك." وقد أهملنا التعليم طويلًا. فانحدرنا من أمة تُخرّج العلماء، إلى شعوب تستهلك التكنولوجيا بلا فهم، وتخشى التفكير النقدي.
الاستعمار وتفكيك الذات
يقول المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي: "الأمم لا تموت إلا حين تفقد إرادتها في مقاومة التحديات." وقد جاء الاستعمار ليكسر هذه الإرادة، لا فقط عبر الاحتلال، بل بزرع التبعية النفسية والثقافية. وهكذا، خرجت الجيوش لكن بقيت العقول أسيرة النموذج الغربي.
الهزيمة النفسية... أخطر الهزائم
"أخطر أنواع الاستعمار هو استعمار العقل." بهذه العبارة اختصر مالك بن نبي جوهر المأساة. فقدنا الثقة بأنفسنا، وبأن لدينا ما نضيفه للعالم. صرنا نقلّد، ونستهلك، ونرتبك أمام ذاتنا. إن الشعوب تنهض حين تؤمن أن لها رسالة، لا حين ترى نفسها مجرد تابع يبحث عن الخلاص في الخارج.
النهضة ليست صدفة، وليست منحة من أحد
إنها تولد حين يستيقظ الوعي، ويشتد السؤال، ويتحرّك العقل والقلب معًا. وحين يبدأ كل فرد بالسؤال: "ما دوري؟ كيف أبدأ من ذاتي؟" النهضة هي أن نخرج من الدور الضحية، إلى دور الفاعل. أن نتحرّر من الداخل، قبل أن نطلب الحرية من الخارج. أن نعيد بناء الإنسان، قبل أن نُشيّد البنيان.
مسؤوليتك
"كن أنت النهضة التي تنتظرها، كن أنت الأمة التي تحلم بها .