في ظلال فهم الدكتور يوسف القرضاوي قول في الوطن والمواطنة والأمة

التصنيف

المقالات

التاريخ

09/03/2024

عدد المشاهدات

514

● هل هناك مشروعية لفكرة الوطن بالمعنى الجغرافي؟
● هل لفكرة "الوطنية" والحدود الوطنية القطرية الحديثة شرعية إسلامية؟ وما هي معوقاتها؟
● ما هو وضع الأقليات غير المسلمة تحت الحكم الإسلامي؟

وربما يكون موضوع "المواطنة" وما يترتب عليه من تصورات واعتقادات وحقوق وواجبات وانتماءات وعلاقات من أشد الأمور المُلِحَّة التي تعرض للشباب المسلم المتدين، خاصة وأن هناك مجالين جغرافيين قد تشَكَّلا حديثاً ويتصارعان في قلب الشباب؛ جغرافياً الخلافة الإسلامية الممتدة في الذاكرة القريبة غالباً من جهة، وجغرافية الوطن الجديد بما يسمى دول ما بعد الاستعمار أو الدول الوطنية أو الدول القطرية، حيث تم تقسيم أرض الخلافة الممتدة  إلى دول، وباتت كل واحدة تتمتع بسيادة مستقلة وجغرافية محددة منفصلة عن التصور القديم لجغرافيا المسلمين، ومنفصلة كذلك عن حدود الدول الجديدة التي تحيط بها، مع ما بينهما من المشتركات الدينية والثقافية واللغوية والتاريخية المنغرزة في الوعي العربي الإسلامي.

وكل هذا أدى عند البعض وفي فترات مختلفة إلى قلق في تصور الانتماء، وبالتالي في السلوكيات والطموحات، وانتهى إلى أزمة انتماء أو اضطراب في الانتماء، فاحتاج هذا القلق والاضطراب إلى تحرير وتأصيل شرعي وتاريخي معتبَر يعيد الأمور إلى نصابها ومكانها الصحيح، بعيداً عن الفُهوم السطحية والمتعجِّلة التي تصدر عن جمع من المُتَصَدِّرين للقول والاعتراض من ذوي الرأي الفطير والطائش.

وقد أجاب كتاب الدكتور القرضاوي الموسوم بــ "الوطن والمواطنة في ضوء الأصول العقدية والمقاصد الشرعية" عن هذه المسألة وغيرها بما أو دعه فيه من نظرات واجتهادات مسددة موفقة.

الوطن

يقرر الدكتور القرضاوي كغيره من الباحثين أن المسار الطبيعي لتَكَوُّن الجماعة الإنسانية قد بدأ بتكاثر ذرية آدم عليه السلام وبدء انتشارها، ثم تجمع كل عدد منها في أماكن متفرِّقة لظروف خاصة، حتى إذا تكوَّنت القبائل أو المجتمعات الصغيرة والقرى والبلدات نشأت علاقات بينها انتهت إلى تكوُّن مُدُن كبيرة ثم نشأت الأوطان والدول، ثم نجد ترابط هؤلاء الناس فيما بينهم قد اتخذ أشكالاً متعددة كالنسب والمصاهرة والجوار والصداقة والزمالة في العمل والاشتراك في تأمين حاجات المجتمع والدفاع عنه، فمن هذه القرية والبلدة والمدينة بدأت قضية الوطن تظهر وتشيع.

ونجد أن الانتماء إلى الوطن وحبه من قبل أهله الذين وُلِدُوا فيه وترعرعوا فيه من الأمور التي يتَّصِف بها الناس في الغالب الأعمِّ، وفي سياقنا الإسلامي نجد نبينا صلى الله عليه وسلم يَحِنُّ إلى مكة وطنه الأول بعد أن خرج منها، وهو يقول: "والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إليَّ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت". فالمصطفى يُعلن عن حبِّه وشوقه لمكَّة المكرمة، فللمكان نصيب حميمي من حياة الإنسان سواء كان قرية صغيرة أو مدينة كبيرة.

 ولكن الإنسان مع حبِّه الشديد لوطنه قد يضطر أحياناً أن يخرج منه لأسباب قاهرة ربما تصل إلى حدِّ الوجوب، وذلك حينما يحال بينه وبين إقامة فرائضه الشرعية وقيمه الصالحة، فوقتها ينتقل عن وطن إلى وطن آخر ربما يصبح وطنه الثاني أو الجديد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم. يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء : 97-99]

ويتطرق القرضاوي كذلك لسؤال مهم هو "هل للأرض بالمعنى الجغرافي أهمية في نظر الإسلام؟"

والداعي لهذا السؤال هو تسرب فهمٍ لعقول الشباب يرى أن الإسلام يُعنى بالدِّين فقط لا بالطين، وأنه يهتم بالقِيَم لا بالتراب والمسائل المادية، وهذا بالطبع غير صحيح، لأن انتماء الإنسان إلى أرض محدد أمر طبيعي لا يمكن إهماله، ثم إن انتماءه هذا  يُرَتِّب عليه حقوقاً لها ولأهلها الذين يشاطرونه العيش فيها، يقول تعالى {وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء : 36] والآيات والأحاديث في تقرير الحقوق المشتركة والواجبات المفروضة على من ينتمون إلى وطن جغرافي واحد كثيرة، فالدفاع عن الوطن الجغرافي واجب كالدفاع عن الدين وقِيَمِه.

 وقد قدَّم القرضاوي قراءة مبدعة حلل فيها نص «وثيقة المدينة المنورة»، التي قرَّر فيها النبي صلى الله عليه وسلم نموذجاً تأسيسياً للمواطنة بين سكان المدينة المنورة المسلمين والمهاجرين والأنصار من أوس وخزرج ومن يهود على اختلاف قبائلهم، معتبراً هذه المواطنة -أي العيش في وطن واحد في المدينة المنورة- أساس التعاقد والتعامل بين الجميع.

ولقد استطاعت القراءة المتأنية والمنفتحة على خيارات واسعة لهذه الوثيقة أن تُقَدِّم إجابات وافية بشأن الوطن بمعناه الحديث وحدوده الجغرافية ونمط العلاقات والحقوق والواجبات داخل هذا الوطن.

وقفات مع دستور المدينة

استخرج الدكتور القرضاوي لمفهوم "الأمة" معانٍ أربعة من هذه الوثيقة:

  1. المعنى الاعتقادي للأمة؛ وهي بهذا المعنى تتأسس على أخوة الدين "المؤمنون موالي بعض دون الناس" و"وإن سِلْم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم" ثم نجد توحيد مرجعيتهم القانونية في حالة الخلاف حول أمورهم. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ۖ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء : 59]. ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب : 36].
  2. المعنى السياسي للأمة؛ وتشمل الأمة هنا سكانها من غير المسلمين، فتكون أُمَّتَيْن دينيَتَيْن في أمة سياسية واحدة، "يهود بني عوف أُمَّة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم"، ويترتب على الوحدة السياسية مسؤوليات أهمها أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين،  "أن بينهم النصر على من دهم يثرب" و"إن بينهم النَّصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبِر دون الإثم"، وهذا اعتراف حكيم بأن اليهود جزء من الأمة السياسية لا الأمة الاعتقادية في دولة الإسلام، وفيه تأصيل لقبول تعدد الهوية الإنسانية وتعدد أنماط الأخوة بين البشر.
  3. المعنى الجغرافي للأمة؛ الجغرافيا هي أساس الهوية السياسية والمواطنة في العصر الحديث، وقد أشارت إليه الوثيقة  كذلك فقالت إن " المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس" فيكون التمتع بالمزايا السياسية هنا مشروطاً بالانضمام الجغرافي (الالتحاق بهم) من خلال هجرة، والمشاركة في الدفاع عنها من خلال الجهاد.
  4. المعنى الاجتماعي للأمة؛ والمراد منه ما يكون من أواصر الأرحام والتعاضد الاجتماعي بين من يجمعهم نسب عرفي أو حِلف سياسي تقليدي، مثل أبناء القبيلة الواحدة، وقد اعترفت الوثيقة بهذه الروابط ولم تجعلها نقيض الانتساب للأمة الاعتقادية أو السياسية، بل جعلتها لَبِنَة من لَبِنَات الصرح الاعتقادي والسياسي الكبير "المهاجرون يتعاقلون فيما بينهم"، ثم عدَّدَت الصحيفة  قبائل الأنصار وجعلت كُلًّا منها عاقلة مستقلة (كل قبيلة تتحمل الديات فيما بينها)، ثم عمَّمَت الوثيقة قاعدة التضامن الاجتماعية هذه لتشمل جميع المسلمين واليهود في المدينة في الدائرة الأكبر والأشمل.

اتفاقية صلح نجران والمواطنة السياسية

 ونجد في الصلح الذي أجراه الرسول صلى الله عليه وسلم مع "نصارى نجران" تشريعاً لفكرة المواطنة كذلك وما يترتب عليها من حقوق ومسؤوليات، وقد كانت خلاصة هذا الصلح أن يكون نصارى نجران في جوار الله وذمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يتجسَّد في حماية أموالهم وأنفسهم ومِلَّتهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، ولا يتم التَدَخُّل في تعيين أساقفتهم ولا رهبانهم ولا كهنتهم، وعلى النصارى أن ينصحوا ويُصْلِحوا.

ولقد تحقَّقوا بحقوق المواطنة السياسية؛ من حماية وجوار  ونصيحة، ما التزموا بما عليهم من أموال وشروط الأخوة الوطنية. ونعلم من آثار هذا الصلح الوضع القانوني والسياسي والاعتقادي للأقلية غير المسلمة تحت حكم المسلمين، من حيث منحهم حرية الاعتقاد المطلقة وإدارة الشأن الديني الخاص بهم، مع وجود مسؤوليات سياسية واقتصادية تجاه الحكومة المسلمة.

الأخوة الوطنية:

استعمل الدكتور القرضاوي مصطلح الأخوة الوطنية ليدل به على العلاقة التي تجمع المواطنين المنتمين إلى وطن واحد مع ما بينهم من اختلاف عقدي وديني، فكل مواطن أخ لأخيه المواطن الآخر كأنهم أسرة واحدة،وهذا لا يعارض ولا يتعارض مع مفهوم الأخوة المؤمنة المشتقة من قوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات:10]، ومبادئ الإسلام، ذلك لأن القرآن الكريم نفسه قد استخدم وصف الأُخُوَّة للدلالة على ما بين الأنبياء وأقوامهم الكافرين من علاقة قومية فقال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 105 – 106] و﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء: 141 – 142]، وغيرها من الآيات الدالة على أنَّ هناك أُخُوَّة معتبرة وفاعلة سوى أُخُوَّة الدِّين؛ هي الأخوة الوطنية، أو الأخوة القومية، أو الأخوة الإنسانية.

لكن قد تظهر إشكاليات أمام مفهوم المواطنة؟

تظهر هذه الإشكالية لأسباب متعددة منها:

  1. عند تعارض الولاءات والانتماءات: تتعدد انتماءات الإنسان في الحقيقة فهو ينتمي من جهة للعائلة، ومن جهة أخرى لمدينة، ومن جهة ثالثة للدولة، ومن جهة الرابعة لدِين، وإقليم وقارة، بل وينتمي للإنسانية جميعها، وبلا شك في المحصلة أن أكبر انتماء لديه هو انتمائه لأمَّتِه الدينية أي «الانتماء الديني»، ولا يجب أن يحدث هذا التعارض بين الانتماءات في الحقيقة على كثرتها، لأنها تُعَبِّر عن حقائق موجودة فعلياً وليست متوهمة، بل ضرورية ولا يمكن رفعها،وتحكُم العلاقة بينها علاقة العام بالخاص غالباً.

ولكن ربما يظهر التعارض ويقع متى تضاربت الولاءات وتنازعت، فوَقْتُها يصبح هناك حاجة إلى إعادة ترتيب أولويات هذه الولاءات وتنزيلها منزلتها، فإذا ما تعارضت وتنازعت الولاءات الوطنية مع الولاء الديني فهنا لا بد من تقديم «الولاء الديني» فلا بدائل له، في حين أننا ربما نجد بديلاً للوطن إذا ضاق بالإنسان وطنه لأسباب مختلفة، ويمثل اختيار النبي صلى الله عليه وسلم الهجرة إلى المدينة من وطنه نموذجاً  للسلوك، وهو تقديم الدِّيني على الوطن، بل إن القرآن الكريم يؤكد ذلك ويثمِّن فعلاً الهجرة عن الوطن إذا كان في سبيل الله ومن أجل دينه كما في سورة الحشر { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر:8] وسورة الحج ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [الحج:59]  . وكانت الآية الحاسمة في تقديم "الدين" على كل ما سواه هو قوله تعالى في سورة التوبة ﴿ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24] . وتُوَجَّه الآيات الكريمات إلى مُسَوِّغَاتِ الهجرة إلى وطن آخر. مثل تبليغ الدين وتعبيد الناس لربِّهم، ومثل عدم القدرة على أداء الشعائر الإسلامية، أو يقع على الفرد ظلم كبير لا يطيق معه البقاء في وطنه.

  1. تصوُّر اقتران الوطنية بالعلمانية: تحدث المشكلة عندما يتوهم بعض الإسلاميين أن فكرة الوطنية مسكونة دائماً بالعلمانية، وأنها في المحصِّلة النهائية من نتائجها، وأنها من مستورداتنا من الغرب، ولكن الوقائع تثبت لنا خلاف ذلك، فبعض الوطنيات تحمل مدلولاً دينياً مثل وطنية مصطفى كامل الذي كان متعاطفاً مع دولة الخلافة الإسلامية، وكذلك حركات التحرر الوطني لمحاربة الاستعمار ذات الجذور الإسلامية، ولكن ذلك لا يمنع أن يوظِّف البعضُ من القوميين واليساريين وغيرهم الوطنيةَ ليُلْبِسَها ثوباً علمانياً مخرجاً لها عن وجهها الصالح والمتسِّق مع القاعدة العامة التي تجعل الوطنية في الإسلام قيمة خادمة للإسلام ومشاعره ومقاصده وليس مقوِّضة للإسلام.
  2. الغلو في الوطنية كبديل عن الدين: وهي حالة يجعل فيها بعض الوطنيين فكرة الوطنية وعاطفتها مقدَّمة على الدين، وبديلاً كاملاً له فيتحلى الوطن وقتها بأوصاف الإله أو الدين، أي يصبح مفهوم السيادة الوطنية مطابقاً للجلال الإلهي في الكمالية و الأمرية، ولكن الحسَّ الديني عند المسلمين يرفض أن يقرِنَ باسم الله اسماً آخر، أو أن يعمل عملاً لوجه غير وجه الله، فضلاً عن أن يُفرد غير الله بالعمل ولو كان الوطن أو القومية أو غيرها.
  3. تحول الوطنية إلى عصبية جاهلية: وهنا تتحول النزعة الوطنية إلى عصبية جاهلية مقيتة، فيجتمع أهل الوطن ضد غيرهم، وينصرون أخاهم ظالماً أو مظلوماً، ولكن الإسلام يعلِّمنا أن ندور مع الحق حيث دار ولو على حساب الأهل والأقربين، لذلك ينكر الإسلام العصبيات متى عزَّزَت التحيزُّ للجنس وللأقوام فقط، لا لما تتضمنه هذه الأمم من قيم وفضائل عمرانية تستحق التكريم والدفاع عنها.

 

شروط النهضة عند مالك بن نبي الدين والإنسان والدورة الخلدونية للإحياء الحضاري